الاستراتيجيَّة الوطنيَّة للإقراض

اقتصادية 2024/10/16
...

محمد شريف أبو ميسم

يشهد الاقتصاد العراقي مرحلة مهمة من مراحل الانخراط مع التشكيلة الدولية التي تتحرك وفقاً لنظام ليبرالية السوق من جانب، والتكيف مع شكل اقتصاد السوق محلياً من جانب آخر. وهذه المرحلة التي يكتنفها الكثير من الصعوبات جراء شكل التحولات التي قد تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد للانخراط فيها، أو جراء تطبيق حيثيات هذه التحولات في بيئة ما زالت قائمة على مرتكزات اقتصاد الدولة في كثير من المفاصل، وفي سياقات ثقافة الرأي العام.
ومن هنا تكون المسؤولية مضاعفة أمام الجهات القائمة على الملفات الاقتصادية ذات المساس بحياة الناس بشكل مباشر، ومنها تحديداً ملف السياستين المالية والنقدية وملف سوق العمل وتفعيل دور القطاعات الحقيقية، لما لهذه الملفات من أثر بالغ في خلق حالة الاستقرار في حركة السوق ونمو بيئة الأعمال وبالتالي المساهمة في خلق مناخ جاذب للاستثمار.
ومنذ سنوات كانت الجهود متواصلة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة، من خلال التحولات التي شهدتها وظائف الدولة، وفي البنية التحتية المصرفية وفي تشريع أو تعديل بعض القوانين ذات الصلة بهذه الملفات، إلا أن الجهود لم تأت أكلها، جراء عدد من الأسباب، كان من بينها التلكؤ الذي أصاب حلقة الإقراض في المبادرات العديدة التي أطلقتها الجهات ذات العلاقة.
الأمر الذي دفع هذه الجهات وعلى ما يبدو لإطلاق "الاستراتيجية الوطنية للاقراض المصرفي" أملاً في إعادة النظر بتجارب المبادرات السابقة وتحقيق الأهداف المشار إليها، لأن استراتيجيات النمو والتنمية لا يمكن أن تتحقق ما لم يتم تدوير النقد الصادر في ساحة التداول المصرفي أولاً، عبر قروض تذهب إلى أهدافها عملياً وفق آليات منح تختزل فيها حلقات الترهل الإداري، وتختفي عن مفرداتها أساليب البيروقراطية والفساد، في إطار خطط تستهدف كل أنواع المشاريع الحقيقية والساندة لها وبمختلف طاقاتها، سواء كانت مشاريع صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، فضلاً عن المشاريع المتناهية الصغر.
ومن المهم هنا إلزام أصحاب المشاريع الكبيرة والمتوسطة التي سيتم تمويلها، بتحديد عدد العاملين بالمشروع مسبقاً في دراسات الجدوى التي سيتم تقديمها للمصارف، وإلزامهم بتسجيل أسماء هؤلاء العاملين في دوائر الضمان الاجتماعي في وزارة العمل، وبقاء المشاريع الممولة من هذه المبادرة تحت الرقابة على مدار فترة سداد القرض لتتحول فيما بعد إلى وزارة العمل لضمان عدم تسريح العاملين فيها، وهنا سنضمن واحدة من المعالجات التي يمكن أن تسهم في تشغيل العاطلين من الشباب.
ويمكن أن يكون ذلك من خلال دعم المقترضين للمشاريع الكبيرة والمتوسطة بسماحات جمركية وضريبية وبمعدلات تتناسب وحجم المشروع أو طبيعته، ويمكن أيضاً دعم المشاريع الناجحة منها بخفض نسب الفائدة على القروض في حالات التوسع، أو في سنوات تحقيق زيادة الإنتاج وسواها، وهذا الأمر يمكن أن تلتزم به المصارف الخاصة وفقاً لتعليمات تصدر عن البنك المركزي.