{الآباء والأبناء}.. الحياة لا معنى لها

ثقافة 2024/10/16
...

  ألكسندرا جوزيفا
  ترجمة: شيماء ميران
أصبح عنوان رواية إيفان تورجينيف عبارة شائعة. وهي تناقش قضية جيلين لن يتفاهما أبدا، وكما يوضحه الزمن فهي مشكلة أبديّة.
تتناول أحداث الرواية "أركادي كيرسانوف"، الذي يبلغ من العمر، 23عاما، أكمل دراسته الجامعيّة في سانت بطرسبرغ للتو. في العام 1859، يتوجه لزيارة والده وعمه في منزلهما الريفي. واصطحب معه صديقه المفضّل وهو طبيب يُدعى "يافغيني بازاروف"، الذي يؤمن بالعدميَّة، وهي عدم الايمان بأي شيء ويؤكد اتباع هذه النظرية أن الحياة لا معنى لها ويرفضون جميع القيم الأخلاقيّة والدينيّة.
"نيكولاي بتروفيتش" والد "اركادي" رجل نبيل ولطيف، في حين أن عمه "بافيل بتروفيتش" ارستقراطي معقد ومتغطرس. ورغم أنّهما ريفيان بعض الشيء ويعيشان الحياة بنمط متكاسل، ألا أنّهما من النبلاء المهذبين.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو "بازاروف" أنه رجل ذو وجهة نظر تقدميّة، ووقح بعض الشيء ولا يعترف بأي سلطة أو قواعد مجتمعية، كما أنه متشائم بعض الشيء.
يتجادل "بازاروف" و" بافيل بتروفيتش" عم "أركادي" باستمرار، ما يجعل العم يشعر بالغضب الشديد تجاه هذا الرجل.
على العموم، لا يستطيع جيل الشباب فهم أو استيعاب أسلوب حياة وعقليّة جيل كبار السن والعكس صحيح. ويبدو أنّهم يتحدثون لغات مختلفة.
مع أنّ "أركادي" يعيش ذات أسلوب حياة أقاربه، لكنه متأثرٌ بصديقه. لذلك يشعر بالخجل والإحراج من والده وعمه ويقف دائما إلى جانب صف بازاروف.
في نهاية المطاف، يخوض "بازاروف" و"عمه" شجاراً ويصاب عمّه بجروح. وبعد كل هذه الخلافات يغادر "اركادي وبازاروف" المنزل.
لكنهما لم يعودا إلى سانت بطرسبرغ، بل يقرران استضافة امرأة في منزلهما، تُدعى "آنا أودينتسوفا" وهي أرملة ثريَّة "28 عاما" وشخصية متمدنة جداً ومستقلة ولديها آراء نسويّة تقدميّة. تدور حوارات كثيرة بينها وبين "بازاروف"، تصل إلى نقاشات فلسفيّة واجتماعيّة معقدة للغاية. حتى يقع الاثنان في حب بعضهما البعض.. ويعترف "بازاروف" لها بمشاعره، ولكنها تتخلى عن علاقة الحب عمداً غاية في أن تحيى حياة هادئة.
كان "اركادي" واقعاً في حب "آنا" أيضا، ولكنه أدرك أنه لن يتمكن أبدا من الفوز بقلبها. لذلك، قرر الزواج بأختها، وأنجبا طفلاً فيما بعد.
في تلك الاثناء، كان مصير "بازاروف" محزنا ومؤسفا. فهو مشغول ليلا ونهاراً بعمله طبيب يساعد الناس، حتى يصاب بالصدفة بمرض التيفوس، وبينما كان يحتضر طلب من "آنا" زيارته، فزارته زيارة وداع.
وتصوير المشهد الأخير مفجع، إذ يصلي والدا بازاروف العجوزان عند شاهد القبر.
يعد الكاتب "إيفان تورجينيف" أحد الذين ركزوا على مشكلة جيلين لا يفهمان بعضهما البعض، ولم يحاولا ذلك حتى. واليوم، يُشار إلى هذه القضية في كثير من الأحيان باسم "مشكلة الآباء والأبناء".
يقر المجتمع الروسي بأن هذه المشكلة أبديّة، ما تزال ذات أهمية كبيرة.
فضلا عن سرد الحبكة الرئيسية، يصور "تورجينيف" العديد من الشخصيات المختلفة التي عاشت في منتصف القرن التاسع عشر. ويسخر أحياناً من الأفراد مثل امرأة متحرّرة كاريكاتورية.
تدور جميع أحداث الرواية عشيّة إلغاء نظام العبودية في روسيا، ويصور "تورجينيف" الناس التقليديين القدامى من منظور سلبي.
يقول "تورجينيف" عن روايته، إن: القصة بأكملها تستهدف النبلاء كطبقة متقدمة. ألق نظرة على وجوه "نيكولاي بتروفيتش"، و"بافيل بتروفيتش"، و"أركادي" ترى الضعف والخمول أو المحدوديّة".
يبدو أنَّ الكاتب ينهي حياة "بازاروف"، معرباً عن موقف سلبي تجاهه. لكن النقاد الروس يعتبرون أن هذه الوفاة مليئة بالمنطق، فقد مات لأنّه كان يعمل بجد ولم يعش أسلوب حياة متكاسل. وفي النهاية، كانت أمنيته الأخيرة هي رؤية المرأة التي أحبها، رغم إنكارها لهذا الحب في السابق..

راشين بيوند