ماجد الملا
كوكب حمزة الذي أعطى للأغنية العراقية ألوان قوس قزح المبهرة، بذلك يمكن أن ترى في أعماله تلك الألوان الزاهية، التي تبهرك وتجعلك منشدا إليها وتعيش معها حتى نهاية العمل، فهو احدث هذا التفاعل مع الحواس وأدخل حوارا بين الذهن والخيال، وهذا ما يسمى بالاستطيقا، فهي فلسفة الجمال أو الإدراك الحسي، فكانت له الأسبقية في مزج تلك المفاهيم بالأنغام، التي يسيرها بتناغم وانسيابية مصحوبة بالحس العالي في عملية الاندماج، وهذا لن يحصل في الأغاني العراقية التي تعتمد على المرور على المواقع الخلفية للعقل التي تهتم بالنشوة فقط. فبالرغم من حالة التجديد في الأغنية السبعينية وادخال مضامين جديدة ونصوص مؤثرة بموسيقى انتقلت عبر التأثر والتأثير، لكن كوكب حمزة أحدث التغيير الكلي وليس الجزئي، كما حصل مع أقرانه وملحني جيله، فهو عمل على استنباط ما ورث له خياله المفعم بالحيوية والتفاؤل والأمل، وما يحمله فكره من مدخولات ناضجة مرتبطة بالموروث المتراكم، الذي حوله ببراعة وفكر متجدد الى نغمات تلامس القلب والروح وتستنهظ العقل لتسير معها مشدودا ومتفاعلا ليفسر لنا الشكل والمضمون في بناء جمله الموسيقية. ولو فككنا اعمال كوكب حمزة، التي يغلب عليها طابع التنوع الايقاعي والموسيقي، وما بينهما من حركة النغمات والسكتات والانقلابات والقفزات، نرى موسيقيا بارعا يعرف كيف يدخل وكيف يسير وكيف يخرج بانضباط ودقة ومرونة يضاف عليها متعة الحركة اللحنية للجمل الموسيقية، فهو متمكن من ادواته التي سخرها لينتج لنا فنا جميلا وعملا راسخا في أذهاننا لا ينمحي بسهول، فهو عمل على جعل لحنه يتعايش معنا وهذا هو العمل الاصيل والرصين بنكهة كوكبية. ومن اهم اعماله اغنية "يا طيور الطايرة"، التي أود أن أحللها من حيث التعدد المقامي والمسارات اللحنية، تبدأ اغنية ياطيور الطايرة وهي من مقام الرست دو بمقدمة موسيقية لنفس المقام وبإيقاع مذهل، وهو الأيوبي المبتكر، وتكون نغمة الابتداء هي دو ونغمة الانتهاء هي صول حين التسليم. أما الأغنية تبدأ من الدرجة الخامسة لمقام الرست وهي صول، ويتلاعب في مقام الرست بكل جمالية ويستقر في بعض مفاصله على الدو، ثم ينتقل صعودا الى مقام العراق على درجة مي كار، وهذا المقام مشتق من مقام السيكاه، ويكون جنسه الثاني بيات صول ثم يغادر الى مقام الهزام على درجة مي كار، وهو مقام مشتق ايضا من السيكاه، ولكن جنسه الثاني حجاز صول ثم يقفز صعودا أوكتافا كاملا إلى درجة مي كار جواب لنغم السيكاه، ثم يرجع بمقام السوزناك وهو مقام مشتق من الرست ويكون جنسه الثاني حجاز صول، ثم يرجع الى مقامه الاصلي الرست دون عناء وبشكل مذهل.
المقطع الثاني
يبدأ الغناء جوابا من درجة المي كار جواب ثم يهبط حجاز الصول ويتحول بكل متعة الى بيات الصول، ثم يهبط نزولا الى الهزام ثم يقفز ثانية الى جواب المي كار ثم يرجع ويستقر على رست الدو هناك فاصل موسيقي يفصل المقطعين، ثم يبدأ المقطع الثالث بتكرار الانتقالات النغميه والتنوع المقامي. اما القفله فهي عندما يقفز صعودا من مقام الهزام مي كار قرار الى مي كار جواب، ويمر سريعا على رست دو جواب، ثم يستقر بطبقته الحاده على المي كار جواب، ويعلن نهاية الأغنية من هذه الدرجة غناء، ويتشارك المطرب والموسيقى في بناء القفلة.
تمتاز هذه الأغنية بالتعدد المقامي، وهي 6 مقامات رئيسة وفرعية، وهي الرست والهزام والعراق والحجاز والبيات والسوزناك، أما الأبعاد بين النغمات تكون احيانا متقاربة وأحيانا تشهد قفزات.
لقد أطلق الملحن الكبير كوكب حمزة العنان للأنغام والأجناس أن تسبح بانسيابية في فضاء الأغنية، من دون الشعور بالحواجز المقامية، بين نغم وآخر، كأنها حالة من التجانس النغمي المصنوع بتقنية وحرفية.
وفي النهاية أقول إن ذلك الضوء، الذي خرج من كوكبه أضاء لنا مسيرتنا الفنية، فاهتدينا لها ولن يخفت حتى برحيله. الرحمة له والذكر الخالد.