التناقضات الاقتصاديَّة: الأرجنتين أنموذجاً

اقتصادية 2024/10/17
...

ياسر المتولي

ما هي الحكمة من وراء التعرض الى التجارب الاقتصاديَّة العالميَّة؟

اعتدنا هنا في اقتصاديَّة الصباح مراجعة التجارب الاقتصاديَّة العالميَّة والبحث في أسباب وسبل نجاح بعضها وفشل بعضها الآخر بهدف الاستفادة من التجارب الناجحة منها وتفادي الأسباب وراء الفاشلة منها.

وفي هذا المقال وقع الاختيار على التجربة الأرجنتينيَّة التي تعدُّ فريدة في الفشل والإخفاقات على مدار 200 عامٍ بحسب الدراسات العالميَّة.

وهنا لا بُدَّ من تتبع الأسباب التي قادت الى هذا الفشل بقصد تخطيها في تجربة الاقتصاد العراقي وهو ما تستهدفه مثل هذه الموضوعات.

إذ تعدُّ الأرجنتين ثالثَ أكبر اقتصادٍ في أميركا اللاتينيَّة وتتمتع بثرواتٍ ضخمة الى جانب موقعها الاستراتيجي على ساحلٍ كبيرٍ من المحيط الهادي وأراضٍ خصبة صالحة للزراعة ومساحات كبيرة، مع حجمٍ قليلٍ لسكانها قياساً بمساحتها.

تشير التقارير الرسميَّة الى تعثرها 9 مرات عن سداد ديونها الخارجيَّة وكادت أنْ تتعرض للإفلاس في العام 2022.

ويرجع خبراء الاقتصاد السبب في تراجعها سنوياً الى سوء الإدارة الاقتصاديَّة وليس الى نقصٍ في الموارد الاقتصاديَّة.

والأرجنتين مصدرة للقمح والصويا واللحوم والأسماك وتشكل الزراعة نسبة 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما يشكل التصنيع الزراعي 25 % منه، وهي تعتمدُ على الاقتصاد الزراعي، إلا أنَّ الاقتصاد الأرجنتيني يتعرضُ الى التذبذب لسنواتٍ بين نموٍ وانكماشٍ، الأمر الذي ترتب عليه انخفاضٌ في الدخل وفرص العمل والقيمة النقديَّة للسلع والخدمات، هذا التذبذب أدى الى انعدام الثقة بالاقتصاد؛ ذلك أنَّه - أي الاقتصاد - مصابٌ بالعجز التوأمي.

ويعرّفُ العجز التوأمي بأنه عجزٌ في موازنة الدولة وآخر في الميزان الخارجي وأنَّ تمويل هذا العجز هو السبب في تراجع الاقتصاد.. كيف؟

تلجأ الدولة الى الاقتراض الخارجي، يصاحب ذلك الاقتراض تفاقمٌ في الإنفاق الحكومي وتفاقم الاستيرادات الخارجيَّة، يتبعه تفاقم التضخم على مدار سنوات.

ويُرْجِعُ خبراء الاقتصاد السبب في هذا العجز الى الإنفاق الحكومي المتزايد والزائف لأغراضٍ انتخابيَّة، ما جعل المواطن يعتمدُ على الدولة في كل شيء وباتت عادة مستمرة، وهذا الإنفاق المستمر ظلّ على حساب ثروة الشعب على المدى المتوسط والبعيد.

ولمعالجة هذا العجز الدائم تلجأ الأرجنتين الى طباعة النقود أو التمويل بالتضخم والتي تتسبب بارتفاع حجم التضخم في الأسعار وتفقد السلع الأرجنتينيَّة تنافسيتها العالميَّة.

وللمقارنة بين الاقتصاد الأرجنتيني واقتصاد كوريا الجنوبيَّة، فإنَّ نسبة الصادرات الى الناتج المحلي الإجمالي في كوريا تبلغ 80 %، أي ما يعادل ترليونين دولار منها ترليون و600 مليار، حجم صادراتها، بينما تبلغ صادرات الأرجنتين 100 مليار دولار.

مع الفارق الكبير في الثروات التي تمتلكها الأرجنتين ومساحتها ومسطحاتها المائيَّة، إذ تجدهما فقط متساويين في حجم السكان بين البلدين من هنا تظهر أهميَّة الإدارة الجيدة للاقتصاد الكوري الجنوبي والإدارة السيئة في الأرجنتين رغم فارق بعد الأرجنتين عن الأحداث الدامية واستقرارها ووضع كوريا الجنوبيَّة وتهديدات كوريا الشماليَّة المجاورة لها.

لذلك فإنَّ من موجبات تخطي السياسات الخاطئة، النظر الى التجارب العالميَّة على الدوام.