الشر الصهيوني

قضايا عربية ودولية 2024/10/17
...

علي حسن الفواز



ليس صعبا معرفة الشر، وربطه بالسياسة والحرب والأيديولوجيا، وليس غريبا معرفة ما يتمخض عنه هذا الربط، ومدى تأثيره في صناعة الشرور، وممارستها بقبح فاضح، وبهوس يقترب من "المرض العصابي"، فما تفعله العسكرة الصهيونية، وجنون النرجسية للمجرم نتانياهو يفضحان كثيرا من أقنعة الشر، ومن تمثيلها للتوحش في ارتكاب الجرائم العلنية من دون رادع من الدول، ومن مؤسسات ومنظمات الحقوق والأمن في العالم.

توصيف الشر الصهيوني سبق أن أشار إليه السيد موسى الصدر بقوله: "إن إسرائيل دماغ الشرور في العالم، وأحد مراكز التلاعب بالفكر العالمي والرأي العالمي والحضارة العالمية"، إذ هي  رمز للشر الأخلاقي ولمؤسساته وأجهزته ومنظوماته وصناديقه، ولعله يُذكرنا بالحديث عن "صندوق باندورا" في المثيولوجيا الإغريقية، الذي يمثل فتحه إطلاق  "كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة ورجاء"، والتي لا تختلف في جوهرها عن الفظائع التي يرتكبها الصهاينة، ولا عن دلالتها في الكشف عن  الزيف السياسي والأخلاقي الذي تروّج له دول الغرب والولايات المتحدة، فارتكاب المجازر في غزة ولبنان واغتيال الرموز الوطنية وقتل الأطفال والمدنيين، وتدمير البنى التحتية للمدن، هي ذات الشرور التي وردت في حكايات الشر المثيولوجي، وإن سياسات الفصل العنصري وجرائم الحرب الصهيونية ليست بعيدة عن معطيات ما يحدث في سياسات الولايات المتحدة والغرب، فصعود اليمين المتطرف، وتنامي سياسة الكراهية، ودعم الحروب العنصرية في هذا البلد أو ذاك ليست بعيدة عن أطروحة الفيلسوف زيجمونت باومان حول "الشر السائل"، بوصفه نقيصة أخلاقية وإنسانية، ونوعا من الممارسة الديكتاتورية التي تحاول أن تفرضها مؤسسة العنف والقهر على الآخرين..

الشر الصهيوني، هو ذاته شر الرأسمالية والعولمة، إذ تسعى إلى صناعته وتسويقه وتكريسه كممارسة للمركزية الغربية، وللأنموذج الصهيوني بأيديولوجيته العدوانية والعنصرية التي تعمل على "تجريد الإنسانية من أحلامها ومشروعاتها البديلة، ومن قوى الرفض والممانعة، وتقبل الامتثال والخضوع للمفاهيم والقيم السائدة والمستقرة" كما يقول باومان.

ما يحدث في الواقع صار أكثر غرابة مما يحدث في المثيولوجيا، وما يقوم به الكيان الصهيوني من قتل وتهجير وتدمير، بات يتجاوز ما كشفته الساحرة باندورا في صندوقها، وفي صراعها ضد قيم الحب والسلام والأمان، وهو ما يكشف أيضا عن الأنساق المضمرة للأيديولوجيا الصهيونية، وللتحول المرعب في أطروحات الليبرالية الجديدة، ولشراهة إجراءاتها في تدمير السلام العالمي، وفي تحويل التطور التكنولوجي والمعلوماتي إلى وسائل في تخريب و"هتك الأخلاق والأسرار، وفي تطبيق قيم الشر على الآخرين".