البارزاني في بغداد.. خطوة باتجاه الصحيح

آراء 2019/06/24
...

عدالت عبدالله*
تعزيزاً لنهج الرئيس الراحل جلال طالباني (1933 - 2017م) وتجاربه السياسيَّة الموفقة، نحث منذ فترة طويلة وعلى الدوام المسؤولين في إقليم كردستان العراق على التوجه الى بغداد والعودة الى طاولة الحوار الوطني بديلاً عن تأزيم العلاقات من خلال تصريحات أحاديَّة الجانب وغير مجدية في حسم أي ملف خلافي بين الجانبين.
فاختيار مبدأ الحوار والتعرف عن كثب على مضمون النوايا والمطالبات، أو الخلافات والمعاتبات، لا يتحقق إلا عن طريق دبلوماسية ناجعة وهادفة ومن خلال مباحثات مسؤولة تضع النقاط على الحروف وتأخذ مصالح الشعب العراقي بكُردستانه، بعين 
الاعتبار.
توجه السيد نيجيرفان البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق الى بغداد واجتماعه مع الرئاسات الثلاث، يبددُ الكثيرَ من الحواجز النفسيَّة والانعزالات السياسيَّة السابقة التي تعترض أحياناً سُبل الحوار البناء بين أبناء البلد الواحد، ويمحو الدعاية السياسيَّة المغرضة أيضاً، التي تُغَذي الأحقاد والحساسيات وتعملُ على تأزيم العلاقات بين بغداد والإقليم لحد بث الفتنة السياسيَّة
، هذا في الوقت الذي نعي تماماً بأنَّ ثمة ما لا يُعد ولا يُحصى من مشتركات تفرض على الطرفين القيام بمزيدٍ من التنسيق والتلاحم بوجه التحديات الداخلية والخارجية، لا سيما في ظل متطلبات هذه المرحلة الحرجة والعسيرة التي يمرُّ بها العراق، فضلاً عن مقتضيات مواجهة بقايا عصابات داعش الإرهابية وإعادة النازحين الى مدنهم وتقديم الخدمات الضروريَّة للمحافظات وإبعاد العراق عن شبح مؤشرات الحرب في 
المنطقة.
 وإذا كانت هناك فعلاً إرادة حقيقيَّة للعمل الوطني في المرحلة المقبلة، فيمكن اعتبار هذه الخطوات من قِبَل الإقليم ورئاسته بمثابة الشعور بالمسؤوليات المشتركة تجاه كل تلك المقتضيات وتقديم الدعم للحكومة في بغداد وطروحاتها لاحتواء الملفات العالقة بين بغداد وأربيل والقبول بجميع الإجراءات الضروريَّة الكفيلة بتبديد المخاوف المتعلقة بشأن الملف النفطي والموازنة ورواتب موظفي الإقليم والوضع في المناطق المتنازع عليها والملفات الأخرى، واستعداد الإقليم لاستقبال لجنة برلمانيَّة للاطلاع على آليات بيع النفط وإيراداته، هو خيرُ مثالٍ على الموقف القويم والعمل على توطيد الثقة 
المتبادلة.
ويمكن هنا الجزم بأنَّ سبب وجود رئيس الإقليم في بغداد لا يهدف أساساً الى أي شيء سوى تقديم حسن النوايا والإرادة في أي قضايا خلافيَّة قابلة للحل طالما هناك مبادئ عقلانيَّة يتشبثُ بها العقلاء للتفاهم والتوافق وتجسير العلاقات، وأهم هذه المبادئ اليوم هو الابتعاد عن الخطاب المتشنج وتفضيل الحوار والتفاوض بلغة وطنية مفهومة حول كل ما يكفل تصفير المشاكل والوصول الى المزيد من القواسم المشتركة والتي هي كثيرة، خصوصاً إذا ما أُحيلت الأمور الخلافيَّة الى أحكامٍ دستوريَّة واضحة غير قابلة للتأويل حسب المصالح الضيقة، أو أهواء الفرقاء 
السياسيين.!
 
* كاتب وأكاديمي- كردستان العراق