أميركا ترامب وسياسة حافة الهاوية مع الصين

آراء 2019/06/24
...

د. قيس العزاوي
مازالت سياسة حافة الهاوية التي يستخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي السياسة المحرجة ليس للأعداء فحسب، بل للحلفاء والأصدقاء وللحزب الديمقراطي الأميركي، بل وحتى لبعض أوساط الحزب الجمهوري نفسه.. ليس لأنَّ هذه السياسة رجسٌ من عمل الشيطان ولكنْ لأنها فتنة أشد من القتل.
ترامب يعمِّقُ خصومات الأعداء ويخاطر بانفكاك دعم الحلفاء عندما يعاقب الأوروبيين لكونهم يستنكرون أحادية قراراته، ويستخف بثقة الأصدقاء العرب عندما يتنازل عن القدس والجولان ويقف مع الاحتلال الإسرائيلي، ويخرق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي المحتلة وينسحب من الاتفاقات الدوليَّة ويخاطر بسمعة سياسة بلاده الخارجية فيواجه باستنكار معارضة الديمقراطيين واستهجان بعض قيادات الحزب الجمهوري.
لن نبحث في هذه العجالة المواجهة الأميركيَّة مع إيران، فنحن لا نصدق عاقبة الاحتدامات فلنبحث ببعض أوجه الحرب الاقتصادية الجادة مع الصين، التي يخشى العالم من استمرار تصاعدها. فهل سينجح رجل الأعمال ترامب في مراهناته السياسيَّة مع الصين كما نجح بالتهديد والوعيد مع المكسيك؟
ولكن ما الذي يدفع ترامب الى كل هذه المراهنات والمغامرات التي يمكن أن تفجر صراعات خطيرة لا حدود لها.. في تقديرنا إنَّ هناك عواملَ كثيرة منها:
أولاً: ركز ترامب إبان حملته الانتخابيَّة على مقولة إنَّ “الصين هيمنت على أميركا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما والسيناتور جو بايدن”، وإنها تقوم بتجارة غير منصفة وبسرقة الملكية الفكرية، ما جعل العجز في الميزان التجاري معها يضر بالاقتصاد الأميركي، لذلك فهو يسعى من خلال تصعيد حدة الصراع للوصول الى اتفاق تجاري مع الصين يفضي الى 
 العجز التجاري بين الدولتين بمقدار 200 مليار دولار أميركي لصالح بلاده، وزيادة دخول الشركات الأميركيَّة إلى الأسواق الصينيَّة وبخاصة المالية والطاقة والزراعة، وإعادة الشركات الأميركيَّة للإنتاج لتوفير وظائف للأميركيين فضلاً عن تحقيق تفوق تكنولوجي أميركي.
ثانياً: ولتحقيق ما سبق استعان ترامب بشتى الوسائل منها الضغوطات الاقتصادية ومعاقبة الشركات وفرض المزيد من الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية.. حتى أنه أعلن الحرب على مؤسسة هواوي واتهمها بالتجسس لصالح الصين. وعلى صعيد آخر دعم المقترح الياباني لتنمية نظام التعاون في منطقة المحيط الهادئ -الهندي لمحاصرة الصين. والرأي السائد أميركياً هو أنَّ الشركات الأميركيَّة هي من سيتحمل الأعباء الضريبيَّة جراء فرض الرسوم، وليس الصين. ولتأكيد ذلك أقر مستشار الرئيس ترامب الاقتصادي لاري كودلو بأنَّ الشركات الأميركيَّة هي التي ستدفع الرسوم الجمركية على أي بضائع تستورد من الصين.. وتضغط أكثر من 600 شركة أميركيَّة وتحث ترامب على تسوية الخلاف مع الصين لأنَّ قراره رفع الضرائب والتعريفات الجمركية على واردات بلاده من الصين سيؤثر في الطبقة 
العاملة.
ثالثاً: والملفت للنظر إنَّ رأي البنتاغون مخالفٌ لرأي ترامب في جدوى هذه الحرب التجاريَّة، فوزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس أعتبر أنَّ الصين تتمتعُ بميزة في مواجهتها التجاريَّة مع الولايات المتحدة، لأنَّ الصين لديها هدفٌ واضحٌ وهو تحقيق تفوق عام 2025 في مجال التقنيات العالية، وفي مجال صناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، بينما ليس للولايات المتحدة هدفٌ مماثلٌ بعيدُ المدى.
رابعاً: إنَّ الأمر الذي أثار حفيظة ترامب الى أبعد حد هو إعلان الستراتيجيَّة الأميركيَّة لعام 2018 من قبل البنتاغون والتي تعترف بتراجع التفوق العسكري الأميركي بعد تعاظم قوة روسيا والصين . وهو ما يعني اعترافاً أميركياً واضحاً بتراجع في فجوة القوة التقنية لصالح كل من الدولتين! ووفقاً لهذه الستراتيجيَّة تُعدُّ الصين طرفاً صاعداً في المجالات العسكرية والاقتصاديَّة. ومع ذلك فهي تُدير مصالحها بنحوٍ ناعمٍ لا يستفز الإدارة 
الأميركيَّة.
تدلنا الوقائع سالفة الذكر على أنَّ عقلية رجل الأعمال في إدارة العلاقات الدولية قد لا تكون هي الأنسب، فالفرد مهما كان مراهناً ناجحاً ومخاطراً عنيداً في التجارة فقد يفشل في المراهنة ويكتب لسياسته الخذلان. إنَّ دول المؤسسات لا تُحكم بمنطق حافة الهاوية، وإنَّ لغة السوق، كما لاحظنا، تغلبت منذ زمان بعيد على لغة الدولة الوطنية أياً كانت أميركيَّة أم صينيَّة.. فالشركات متعددة الجنسيات وعابرة القارات لها منطقها وتعمل على تشابك المصالح لا تناقرها، فإذا عطست السوق الصينيَّة أصيبت السوق الأميركيَّة 
بالزكام.