علي حسن الفواز
لم يعد الترويج لنظرية "الشرق الأوسط الجديد" جزءاً من نظرية المؤامرة، بل أضحت خياراً ستراتيجياً لنظرية الشر وسياساتها في المنطقة، ولأهدافها في صناعة المزيد من الحروب والصراعات الأهلية واغتيال الرموز السياسية، فضلاً عن التلويح بـ"نظرية الديمقراطية الليبرالية" كبديل فنطازي، والترويج لـ"نعومتها" عبر منصات إعلامية وتواصلية، لها سياساتها المكثَّفة في تفخيم فكرة الشر السياسي والثقافي والترويج لأنماط جديدة للاستهلاك والترفيه، وعبر مراكز قوى جديدة في المنطقة يكون الكيان الصهيوني واحداً من خياراتها المخادعة.
الصراع الدامي في المنطقة، والخطاب الساخن في مطبخ الانتخابات الأميركية المقبلة، والتلويح بالحلول العسكرية ليست بعيدة عن أهداف تلك الصناعة، فالادعاء بدعم الكيان وإسناد عدوانه، والتعهد بحمايته من "الدول المارقة" كما تسميها الأدبيات الأميركية هي الجوهر في فكرة الشرق الجحيمي الذي تُصاغ له نظريات في السياسة والترفيه والديمقراطية، وعلى نحو يسوّغ تداول فرضية " الحذف والاستحداث" ليس في سياقها الوظيفي، بل في إجرائها الأيديولوجي، حيث حذف ومحو الذاكرة والسيرة والهوية والأساطير والقصص والحكايات العربية، مقابل استحداث سرديات متعالية جديدة يرتبط مخيالها بثيمة البطل السوبرمان، والبطل العاشق الذي تصنعه السينما الأميركية، بوصفه شخصية انقاذية وتطهيرية، تملك أدوات الساحر والحكواتي الذي يبرر قتل الآخر عبر حذفه من التاريخ.
الشرق الاستشراقي الذي تقترحه المطابخ الأميركية هو قناع مُصمم لسياسات هذا الشرق الليبرالي الجديد، الذي يتجرد من خصوصيات السيادة والاستقلال وامتلاك الثروات الوطنية، وباتجاهٍ يقوم على تأمين سياسة الإشباع والمتعة وصناعة "الدولة السائلة" بتعبير ريجموند باومان، التي يسكنها المواطن الغرائزي، الخاضع إلى " الرقابة السائلة" وإلى حاكمية "العراب" و" الأخ الكبير" بتوصيف جورج أوريل.
ما يتواتر من استعراضات في المطبخ الانتخابي الأميركي بين الديمقراطيين والجمهوريين يدخل في سياق الدعوة إلى هذا "التبشير". فبقطع النظر عن ما يجري من عدوانات متوحشة في المنطقة، ومن قتل ممنهج للشعبين الفلسطيني واللبناني، فإن العدوان الأيديولوجي يظل هو النسق المضمر للتمثيل الفكري والاستعماري في فرض النظام العالمي الجديد، ووضع المنطقة بين رهانين للتوحش، إمّا الذوبان في شرق أوسط اقتصادي وسياسي واستثماري على الطريقة الأميركية، تتحوّل فيه الشعوب إلى "سكان" لا تاريخ، ولا ملامح لهم، وإما الذهاب إلى محرقة عمومية، ومتاهة أيديولوجية يختلط فيها الضحية بالمجرم والطيب بالخبيث.
هذه السياسات الصعبة والمخادعة تراهن على ضعف الإرادات، وعلى توسيع مساحات الحروب، والقتل المنهجي، لكن إيمان الشعوب بوجودها وحقوقها هو ما يجعلها أكثر ثقة بحقيقة المقاومة، وبمسؤولية الإرادة دفاعاً عن إنسانيتها، واندفاعها نحو صناعة مضادة لشرعية القوة التي يمكنها أن تُسقِط تلك السياسات والرهانات ومشاريعها الخبيثة.