خالد الجابري
تواجه سوق العقارات في العراق حالة من الركود وفقاً لخبراء وتجار ومتداولين في المجال العقاري. ومع ذلك، ومن وجهة نظر اقتصادية أخرى، يبدو أن ما يحدث ليس ركوداً بمعناه التقليدي، بل هو إعادة هيكلة أو تحول في نمط التداول العقاري.
إن التوجه الأبرز حالياً هو الابتعاد عن الطرق التقليدية لتداول العقارات، والانتقال نحو الاستثمار في المجمعات السكنية الحديثة. أحد الأسباب الرئيسية لهذا التحول هو التسهيلات التي يقدمها البنك المركزي العراقي عبر قروض ميسرة لشراء وحدات سكنية في هذه المجمعات، مما جعل المواطنين يتجهون للاستثمار في هذا النوع من العقارات بعد أن لمسوا جودة الخدمات التي تقدمها مقارنة بالعقارات التقليدية.
وشهد العراق مؤخراً اطلاق مشاريع مدن سكنية جديدة مثل "مدينة علي الوردي" و"مدينة الجواهري"في بغداد، اللذين يوفران مجتمعين نحو 150 ألف وحدة سكنية. فإذا افترضنا أن متوسط حجم الأسرة العراقية يبلغ أربعة أفراد، فهذا يعني أن هذه المدن ستستوعب حوالي 600 ألف نسمة، وهو يعادل حجم سكان محافظة عراقية صغيرة. هذا النمو الهائل في المشاريع السكنية الحديثة سيؤدي إلى تقليص الحصة السوقية للعقارات التقليدية، ويدفع بالطلب نحو النمط الجديد من المجمعات السكنية.
ومن الملاحظ أن مشروع "بسماية" السكني، الذي أعيد العمل فيه مرة أخرى، أسهم في تحويل الطلب نحو المجمعات السكنية الكبرى، إذ يعد عاملاً رئيسياً في امتصاص جزء كبير من الطلب على العقارات.
علاوة على ذلك، لعبت الاعفاءات الضريبية في العديد من هذه المجمعات دوراً حاسماً في جذب المستثمرين والمشترين. إذ أن هذه الاعفاءات تأتي في إطار قانون الاستثمار، وهو ما يميز المجمعات السكنية الحديثة عن التداول العقاري التقليدي الذي لا يتمتع بهذه الميزة. هذه الحوافز المالية أسهمت في زيادة جاذبية الاستثمار في المجمعات الجديدة، مما يعزز من قدرتها على جذب المزيد من المشترين.
نتيجة لما تقدم، لا يمكن أن نعد ما يحدث "ركوداً"بمعناه السلبي، بل تحول طبيعي في ديناميكيات السوق العقارية. فمع توسع الخيارات السكنية واتجاه المواطنين نحو أنماط سكن حديثة، تشهد العقارات التقليدية تحدياً وجودياً. هذا التغيير يعكس النمو الطبيعي للأسواق التي تتكيف مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجديدة.
إن السوق العقارية في العراق ليست في حالة كساد شامل، بل إنها تتغير لتتلاءم مع التطورات الجديدة،فالركود الذي يُلاحظ في العقارات التقليدية، يقابله نمو وازدهار مستمر يشهده القطاع العقاري في المجمعات السكنية.