مبارك حسني
الأفلام التي تنبني على السيرة الذاتية لشخصية معروفة، عامة أو تاريخية أو لعبت دوراً كبيراً في مجال ما، لا تنجح كثيراً في استقطاب تناولٍ سينمائي قوي ومؤثرٍ وموحٍ من حيث التلقين أو التعلم. ولكي تنجح، فهي في الغالب تنقل حيوات الراحلين من المشاهير. لكن في هذه السنوات الأخيرة، اختارتْ بعض السينماتوغرافيات العالمية، في أميركا وفي فرنسا خاصة، إخراج أفلام عن شخصيات لا تزال فاعلة في مجال نشاطها الحياتي. لدوافع قد تكون إبداعية أو لكي تنخرط السينما في الجدال العام حولها. وهذا المعطى الأخير هو الذي يبدو حاسماً في اختيار المخرج الإيراني ذي الجنسية الدنماركية، علي عباسي، الإقدام على إخراج هذا الفيلم حول المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في أميركا، الرئيس السابق دونالد ترامب.
وقد كتب السيناريو الصحفي السياسي غابرييل شيرمان، رئيس تحرير نيويورك ماكازين.
اسم الفيلم مأخوذ من سلسلة "ذا أربنتيس" أو "المبتدئ"، وهو عنوان مستوحى من برنامج الواقع الذي أنتجه وقدمه دونالد ترامب ذاته. وتتلخص فكرته في وضع مجموعة من المرشحين في وضع تنافس حادّ من أجل الظفر بمنصب إداري في شركة كبرى. لا يهم من ينجح في الأخير بقدر ما يهُم إهانة الخاسرين بتوظيف تعبير "أنت
مطرود".
تمت بذكاء استعارة العنوان لحكي بدايات دونالد ترامب التي تميزت بعلاقته في الثمانينيات من القرن الماضي، مع محامٍ مشهورٍ كان جدّ محافظ، ويلقب بصانع الملوك، لقوة دهائه وانعدام الرأفة في مرافعاته وانخراطه السياسي، وصلاته المشبوهة مع صانعي القرار من جهات عديدة. إنه روي كوهن (1927 - 1986). هو الذي علمه كما جاء الفيلم كل ما سيوظفه فيما بعد للنجاح في بناء ثروته في تجارة العقارات. جاء في صفحة سينما ليوم الأربعاء 9 أكتوبر/ تشرين الأول، لصحيفة لوموند الفرنسية ما يلي :"هذا الأب الثاني هو شخصية قدوة منحرفة، علمه احتقار القانون، وغياب الوازع، والشراهة، وعقيدة سلوك معتمد على نظرية ميزان
القوى".
وجه أميركا المُقلق
ركزت جل الصحف والمجلات الفرنسية على الجانب المقلق في الفيلم، الذي يدور حول مسلسل الصعود التراجيدي والمرعب لدونالد ترامب، والمُصوَر على الطريقة الهوليوودية التي تضخم طباع الشخصيات وتجُرُّ حبل التشويق حد تكسيره.
في هذا الصدد، تقول مجلة "الشاشة العريضة" بأن " فيلم "المبتدئ" هو قبل كل شيء انعكاس جيد لتطور الرأسمالية الأميركية في نهاية القرن العشرين، وللطريقة التي سمحت لشخصيات مثل دونالد ترامب بالبروز من
خلالها.
الجريدة الجهوية "صوت الشمال" اعتبرت بأن المثير للاهتمام في الفيلم هو أنه "ليس في حاجة إلى أن يكون من النوع السينمائي الهزلي المبالغ فيه بقفشات الهذيان والسخرية السطحية، لأن الشخصية الحقيقية تتولى ذلك بنفسها، مبينة بذلك تلاحم الواقع الحي بين ما هو معروف في سيرة الرئيس الأميركي الأسبق والمتخيل السيناريستي، فيجد المشاهد نفسه في واقع سينمائي يقترب بشدة مع الذي تبثه القنوات الإخبارية لكبريات القنوات التلفازية. وربما ذلك كان قصد منتجي الفيلم ومخرجه. وهو عين ما كتبته صحيفة لومانيتي، التي وجدت في الفيلم وسيلة سعي حثيث للخيال كي يواكب
الواقع.
"دفاتر السينما" قرأت الفيلم بتوظيف كتابتها من وجهة نظر سينمائية خالصة. فرأت بأنه تطرق إلى مواضيع عديدة ووظف أشكالاً فنيةً مختلفةً، واستعمل تقنية الفيديو على طريقة الإخراج الصُّوري في مجلة صقيلة لا غير. وترى بأنه يفصِّل شكل العالم الذي يتطور على مقاس تطور شكل إنسان سيصبح في المحصلة الأخيرة أيقونة هذا العالم، ومباشرة بعد ذلك سيده بعد انتخابه رئيساً سنة 2016.
الصحيفة ذات التوجه المسيحي" لاكروا" ترى أنه أبدع في إعادة بناء نيويورك كما كانت عليه في تلك الفترة، والتحول التدريجي الذي عرفته نحو عقد الليبرالية المترفة في سنوات ريغان، والتي أنتجت دونالد ترامب.
شريط سينمائي كهذا لا بد أن يثير ردود أفعال قوية ومتناقضة. المكلفون بحملة دونالد ترامب الرئاسية لم يستسيغوا الصورة التي رسمها له، حد التهديد بمتابعته.
إلا أن الأهم هو كون المخرج إيرانياً، ولد بإيران وكبر بها، قبل أن يهاجر إلى أوروبا. سألته مجلة "إيسكوير" حول هذه النقطة فقال بأن الأميركية له علاقة ببعضٍ من هوسه غير الصحي بالسياسة الأميركية، وأرجع ذلك إلى وضع إيران تجاه الولايات المتحدة
الأميركية. "
كنا مستعمرة أميركية حتى عام 1979. وبين عشية وضحاها، تحولت إيران من أكبر صديق لأميركا في الشرق الأوسط إلى عدو، وكصانع أفلام، وكفنان، هناك شيء مثير للاهتمام حول الجانب الأدائي للسياسة الأميركية. لا يوجد مكان آخر بهذه الشفافية
والتطرف.
المصدر (esquire.com)