الصهيونية والعصاب الأمني

قضايا عربية ودولية 2024/11/05
...

علي حسن الفواز

تكشف نزعة التدمير والتوحش للكيان الصهيوني عن مُركّب نفسي عصابي، وعن سلوك لا يختلف في غلوه عن التوحش النازي، وعن كراهيته للآخر، وهذا ما بدا واضحاً على الأرض، حيث تتحول سياسة التدمير إلى ممارسات تقوم على استخدام الطائرات والأسلحة المحرمة دولياً لضرب المباني السكنية، والمدارس المستشفيات والمساجد والمراكز الإيوائية والثقافية والخدماتية في غزة، و في الجنوب اللبناني، وكأن النزوع إلى تطبيق مفهوم "العصاب الأمني" يرتبط باستخدام القوة المفرطة لمواجهة الشعور بالضآلة.
نزعة التدمير تمثيل لـ"وعي محبط" وغلو في تمثيل العدوان، وأن استخدام  أدوات التدمير الشامل، عبر الطيران الكثيف، يؤشر مدى النكوص الأخلاقي، ومدى الاندفاع لممارسة العدوان من خلال اندفاع "العسكر الصهيوني" إلى ربط وجوده على الأرض بالمحو والهدم، والقتل المجاني للناس، لاسيما في قصف أبنية السكن التي تؤوي العشرات، وكذلك القصف المتوحش للأماكن الخاصة بالخدمات العامة، فما يجري من عدوان بشع على الجنوب اللبناني يثير أسئلة حول عدوانية هذا السلوك التدميري، وحول طابعه الإكراهي المرضي، والذي يدخل ضمن سياق برامج "العقيدة الصهيونية" وما تقوم به من تدمير ثقافي للمتاحف وللآثار والذاكرة الوطنية، فضلاً عن التدمير الذي شمل عدداً من القرى الجنوبية بأبنيتها ومزارعها وشواهدها التاريخية، وهو ما أشارت إليه جريدة "الفايننشال تايمز" عبر نشرها صوراً تم التقاطها بواسطة الأقمار الاصطناعية، كاشفة عن حجم التدمير والخراب، وعن توحُّش انفجار الأسلحة التي تقوم الطائرات الصهيونية بإلقائها على الأبنية والمدنيين..
تحليل هذا السلوك الأرعن والعنفي يفضح جنوح التوجهات الصهيونية، ومدى كراهيتها، طبيعة إصرارها على هذا النهج التدميري، كمحاولة لإثبات الذات القلقة/ المريضة، المدفوعة إلى تمثيل وجودها التاريخي عبر العنف، وعبر تحويل التدمير إلى إشهار سلوكي، وإلى خطاب إعلامي وسياسي، وعلى نحوٍ يؤكد على حقيقة علاقة الصهيونية بالعنصرية، وهو قرار سبق أن تبنّته الأمم المتحدة عام 1975.
ما يجري في غزة وطولكرم، وفي الجنوب اللبناني شاهد حي على طبيعة "الحرب الملعونة" التي يقترف من خلالها الكيان الصهيوني جرائم حرب فاضحة، تطال الأطفال والنساء والشيوخ والملاكات الطبية والمعلمين، وموظفي مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها، وهو ما يؤكد من جانب آخر على استخفاف هذا الكيان بالعالم وقوانينه وبحقوق الإنسان، حيث يجد دعماً من الغرب الأميركي، وعلى وفق فكرة تسوّغ "حماية الأنموذج الصهيوني" بوصفه جزءاً من منظومة العقل الغربي، ومن ستراتيجياته في ربط عنف هذا الكيان بأوهام الديمقراطية الغربية، وبما تُشيّعه من أفكار تتجوهر حول التعالي والتمركز وكراهية الآخر.