طالب عبد العزيز
الى نيران البصّون
بالقمحِ أو بدونه، ستدورُ رحى الصَّبرِ الليلةَ
وسواءٌ أعَثروا على جثّته أم لا، ستُشرقُ شمسُ الغد،
ويأفلُ قمرُ البارحة ...
لذا، دعِ السُّعداءَ وشأنَهم،
يعبرونَ الليلَ، أو يعودونَ منه..
أنامت النساءُ اللواتي بأعينِهم أو لمْ تنم.
كنْ واحداً،
وأخرجْ من لقطةِ الفِيلم الرتيبةِ هذه،
الى النَّهار..
وليكن الغضبُ آخرَ ما ينهشُ قلبَك الصغير.
ستسخرُ الضِّباعُ من وقوفِك صامتاً، أعلمُ ذلكَ
وقد يبدو كلامُ إمامِ المسجدِ صائباً في السَّاعة هذه
لكنْ، ليسَ هذا ما يدعوك الى قضْمِ الوقت
وتبديدِ الامل.
****
أمسِ، سقط الثلجُ رماديَّاً على سياجِ المدرسة
ولم ينم الحارسُ ليلتَه
ولم يقرضْ الجُّرذُ الحبلَ الموصولَ بالباب
لكنني، نِمتُ، حتى أنَّ شعْريَ صارَ أطولَ
فيما ظلّت تنوّرةُ صديقتي تقصرُ وتقْصر..
والثلجُ مازالَ الى الآنَ أبيضَ يسقط
دخلَ المُعلِّمُ الصفَّ نصفَ غاضبٍ
ثم كتبَ ما يعني:
بأنَّ العالمَ يستيقظُ الآنَ على صوتِ قرنفلة.
***
تقول صديقتي بأنَّها مازالتْ تصفِّفُ شعْرَها
وهذه المرآةُ لا تريدُها بتسريحةِ الذِّئبِ.
أنا يهوديّة بما يكفي: تقولُ
وأقولُ: اِذهبي الى الزَّاويةِ الأكثر ظلاماً، إذنْ.
كان مهندسُ الصَّوتِ في الإذاعةِ يصيحُ بها معي:
اِذهبي الى الزّاويةِ الأكثر ظلاماً
أيّتها اليهوديّة.
***
أرأيتَ كيف يفسِّرُ الجنودُ تسريحةَ شَعْري
ونصيبي كثيرٌ من أبي، صاحبِ (الجواهري بلسانِه وبقلمي)
وما حَملَته يدايَ من طينِ دجلةَ أمسِ
وكيف تدلّهمُ النافذةُ قبلَ أوانِها عليّ
عليكِ أمْ على العهْدِ القديم؟: قلتُ
أترينَ بأنَّ قميصَك مازالَ أحمرَ تعبرهُ الرِّيحُ
الى بيتٍ في الرُّصافةِ، تندبين حِجارتَه الآن؟
أكانَ المغيبُ الّلزجُ سيتحققُ ليلةَ البارحة.
أيّتها اليَهوديةُ: قلتُ.
****
هنا تركَ آبائي أحذيتهم،
وعلى الطاولةِ هذه تحطّمتْ اِبتسامةُ أخي
ومن الشُّرفةِ تلكَ تدلّى خِنجرٌ وكتاب
أنا يهوديّةٌ، وأنتَ تحبُّ السفرَ على المِيدل اِيست
لذا، لا ينبغي تركَ شجرةِ الزيتونِ بهذا الحشدِ من العصافير
فخذ الصّورَ، واخترْ للقائِنا مكاناً غيرَ بيروت! تقول:
لكنني، سأغرسُ في الأِسمنت من أولادي
ما يجعلكِ يهوديةً الى الأَبد: قلتُ:
وسأُشهرُ القمرَ المحطَّمَ بوجهِك ثانيةً
وإنْ طوّقَ الضوءُ ابتسامتَك الكاذبة..
وإن لم أرّ الذئبَ بتسريحةِ شَعْرك، هو يُشبهك
سأحثو بالياسمينِ، وبمنْ ظلَّ من الأطفالِ على رأسي
وإنْ أخفقوا في تفادي الدمَ والرصاص
وبالذينَ سيرثوني رسائلَ من عشِقوا، كذلك.
****
في المُعتم، من الزاويةِ تلكَ
تركتُ لكِ ما يُشبه اِسمي، وقبّعتي
كان الضوءُ يسقطـُ،
وتعيدُ الظِّلالُ ترتيبَ نفسِها على الطّاولة.
في الزاوية تلك،
كان الظلامُ يكررُ شكلَ الطّاولةِ، أيضاً
وكنتُ وحيداً، يَسلبني المكانُ حريتي.
لكنْ، ليسَ الامرُ بمنْ يغادرُ أولاً
إنّما بمن سيعود!
وسأعود.