حكايات نكبة فلسطين في السينما

ثقافة 2024/11/11
...

 وداد سلوم 


ما زالت نكبة 1948 تشكل منهلاً للسينما، التي تتناول القضية الفلسطينية، رغم أن الاحتلال لم يتوقف وفي كل يوم هناك جديد من ممارساته الوحشية، فقد كانت النكبة السابقة التي كل ما أتى بعدها كان تالي لسرقة الوطن.

يأتي الفيلم الأردني " فرحة" في هذا الإطار من تأليف وإخراج "دارين ج سلام " إنتاج عام 2021 الذي عرض لأول مرة في مهرجان تورنتو. وفاز بجائزة لجنة التحكيم لمهرجان مالمو وجائزة أفضل فيلم شبابي في مسابقة اكاديمية آسيا..

استوحته المؤلفة المخرجة من قصة حقيقية لفتاة تكشف عن هويتها في نهاية الفيلم، وتدور أحداثه في قرية صغيرة هادئة لم تكن تدرك أن الحرب ستأتيها دون إنذار، حتى أن المختار والد الطفلة فرحة قد أخذ جانب الحياد حين أتاه الثوار قائلاً، إنه ينتظر قدوم جيش الإنقاذ، لينضم مع رجال القرية إليهم، لم تمهلهم العصابات والجيش الإسرائيلي إذ اقتحموا فجأة القرية التي بقيت تعيش حياتها اليومية. 

كانت فرحة ابنة المختار تحلم بالذهاب إلى المدينة لإكمال تعليمها، متحدية العادات والتقاليد التي ترى أن مستقبل الفتاة في زواجها ولن تزيد المدارس عما تعلمته في الكتّاب، لكن فرحة تتحدى الشيخ قائلة إن المدرسة ستعلمها التاريخ والجغرافيا والرياضيات وليس فقط القرآن، ومع اصرارها ونقاش الأب مع صهره الذي يدعمها يوافق والدها.

لم تكن القرية بعيدة عن الأحداث، فكانت تمر فيها قوافل جنود الانكليز تشاهدها فرحة مع ابنة عمها فريدة التي تزورها كل حين وتقضيان الأوقات في التسالي والأغاني والأحلام بالعيش في المدينة معاً.

 وفي ذلك اليوم حين أتت الحرب مع الجنود الإسرائيليين إلى القرية، يرسل المختار فرحة مع أهل فريدة بالسيارة معتقداً أنها هناك ستكون في مأمن، لكن فرحة حين تشاهد والدها من النافذة وحيداً حائراً في ساحة القرية وسط القذائف والرصاص، تصر على النزول والذهاب إليه دون أن تعرف أنها تكلفه ما لا يطيق حمله.

يقودها إلى البيت متذمراً لأنه سيذهب إلى القتال ولا يمكنه اصطحابها، فيتركها في غرفة المؤونة، ويوصد الباب من الخارج مغلقاً المنافذ والشقوق فيه، لقد كان يفكر مثل الجميع الذين خرجوا من بيوتهم، حاملين المفاتيح أنها مسألة أيام وسيعودون، يترك فرحة ويأخذ بندقيته ويمضي.

لا تدرك فرحة ماهي فيه ولا أين سيذهب والدها. وتعيش في غرفة المؤونة معزولة عن العالم الخارجي وقتاً طويلا، تبتعد الأصوات وتبقى في سجنها وحيدة. تشعل الفانوس وتأكل من المؤونة الزيتون الفلسطيني والجبن، لكنها تعاني من العطش حتى تمطر السماء فتتلقف المطر من الكوة في أعلى الجدار بيديها ثم في قطعة فخار من صحن تكسره. وتتسلى أحياناً بالقراءة. 

لا تعرف كم مضى من الوقت حين تدخل عائلة فلسطينية إلى المنزل، وتكون الأم في حالة مخاض يساعدها زوجها فتلد طفلا، بينما فرحة تشاهد كل شيء وبعد أن يدخلوا إحدى الغرف مع الصغار تنادي فرحة يا أبو محمد، فيعود الرجل باحثاً عن مصدر الصوت، ويحاول إخراجها لكن دورية إسرائيلية تدخل المنزل فيطلب منها الصمت وتتابع المشاهدة.

كانت فرحة من مخبئها ترى وتشاهد تفاصيل المجزرة، إذ يقوم الجنود بقتل العائلة بالكامل ويحاول أحد الجنود دهس رأس الطفل الصغير بالبوط العسكري، لكنه يتراجع في آخر الأمر ويتركه ليموت وحيداً، قبل ذلك تشاهد فرحة أن الجنود يستعينون بفلسطيني خائن في تنقلاتهم، تكتشف فرحة انه صهرها. تخرج فرحة بعد ذلك إذ تجد مسدساً لوالدها في كيس العدس، وتطلق النار على القفل في الباب وتنجح بعد عدة محاولات. لتسير في الدمار والقرى الفارغة وحيدة لا تعرف مصير والدها الذي يبدو انه قتل، أما هي فوصلت إلى سوريا.

نجحت البطلة كرم طاهر في تجسيد دور فرحة، التي تبين أن اسمها رضية، وكان واضحاً أداءها اللافت في ملامحها وكذلك الفنان علي السليمان، الذي قام بدور الجاسوس الصهر، فرغم أن التصوير كان من شق في باب غرفة المؤونة وصلتنا تعبيرات وجهه، حين عرف أن فرحة خلف الباب وقد شاهدت كل شيء.  ويبدو أن المخرجة أرادت نقل القصة بأمانة دون أي تدخل فني، فلم تتصاعد المشاهد أكثر من الحكاية. كان اختيار الألوان مناسباً جداً ويعطي الفترة التاريخية حقها والحياة القروية أيضاً.. أثار الفيلم غضب الكيان الصهيوني فاحتجت عليه بدعوى تزوير الحقائق، وعمدت إلى الضغط لسحبه بعد ان قامت منصة" نتفليكس" 

بعرضه..