د. باسم الابراهيمي
تمر علينا بعد ايام الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس صندوق النقد الدولي، المؤسسة الاكثر عرضة للجدل السياساتي والاجرائي بسبب دوره على مستوى الاقتصاد الكلي في العديد من الدول التي تعرضت للازمات والتي استنجدت به ليكون التدخل عبر وصفاته التي عرفت بسياسات اعادة الهيكلة التي اثرت في الشرائح الهشة في الدول طالبة المعونة، الامر الذي دعا العديد من منتقديه الى وصفه بالتبعية السياسية للدول صاحبة الحصة الاكبر فيه التي تقوده فعليا بحكم قوة التصويت، لاسيما الولايات المتحدة الاميركية.
هل نجح الصندوق في مهمته التي اسس من اجلها؟ لقد تأسس الصندوق عام 1944 في مدينة برتن وودز الاميركية بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تعزيز التعاون الدولي والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي ومواجهة الازمات قصيرة الاجل، خلال مسيرته تعرض الصندوق الى عدد من الاختبارات بفعل الازمات الدولية التي هددت الاستقرار الدولي، نجح في مواجهة بعضها ولم يوفق في البعض الاخر، حيث اثارت السياسات التي اتبعها، لاسيما في العقد الثامن من القرن الماضي والتي عرفت بسياسات اعادة الهيكلة جدلا واسعا على الصعيدين السياسي والاكاديمي، بين مؤيد لها ينظر الى ايجابياتها واخر ينتقدها منطلقا من اثارها السلبية وتحديدا في الجانب الاجتماعي، لكونها تزيد من نسب الفقر والبطالة وتقلل من الدعم الحكومي للسلع الرئيسة في محاولة من الصندوق لتقليل العجز وتصحيح الاختلال الذي تعاني منه الدول خلال الازمة.
لقد ادرك الصندوق بعض أخطائه خلال مسيرته وهذا ما يمكن ملاحظته، ففي أعقاب الأزمة التي وقعت عبر المحيط الأطلنطي، أعاد الصندوق تقييم أثر تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب على النمو، كذلك تحسنت جودة رقابته على المخاطر المالية بدرجة كبيرة، سواء في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي او تقرير الاستقرار المالي العالمي، كما اعترف الصندوق بأن تحرير التدفقات الرأسمالية عبر الحدود له مخاطره ومنافعه أيضا، وكذلك في سياق عمله مع البلدان الأعضاء.
“ندرك الآن أن التعاون الدولي هو الوسيلة الأكثر حكمة وفاعلية لحماية مصالحنا القومية وبلوغ الأهداف المشتركة” هذا ما قاله وزير الخزانة الأميركي هنري مورغنثاو، في الخطاب الختامي في مؤتمر بريتون وودز، الا ان هذا التعاون يواجه تحديات كبيرة اليوم، فهل سينجح الصندوق في مواجهتها؟