د. حسين القاصد
نعم، نحن بحاجة ماسَّة لمعارضة سياسيَّة، وهي حالة صحيَّة جداً، ودليلٌ على نضج العملية السياسيَّة في العراق؛ إذ ليس من المعقول أنْ تكون كل الكتل في جبهة سياسيَّة متكاملة، كما هو ليس معقولاً أيضاً أنْ تكون المعارضة من خارج المنظومة التي فازت في الانتخابات، لأنها ستنضوي تحت تسمية أخرى، ويكون هدفها إسقاط العمليَّة السياسيَّة لا مراقبة الأداء التشريعي
والتنفيذي.
والمعارضة مشتقة من الفعل (عارض) وفي هذا الفعل الذي أصله (عرض) يوجد حرف (ألف) وهو الحرف الذي يشترط فاعلين (بالمعنى لا بقوانين النحو)، فحين نقول تشارك شخصان فهذا يعني أنَّ كليهما له فاعليَّة في حركية هذا الفعل، فلا يمكن لشخص أن يشارك نفسه! وحين نقول (تقاطع) نحتاج الى متقاطعين اثنين، مثل (تقاطع المستقيمان) أي قاطع أحدهما الآخر، و(قاطع) غير (قطع) لأنَّ الأخير يقوم به فاعلٌ واحدٌ دون الاكتراث لأي آخر، مثل (قطع الطريق) فالذي يريد المرور، من المستحيل أنْ يشارك قاطع الطريق بمنعه من
المرور!.
لقد اعتمدت العملية السياسيَّة في العراق تسميات عدة، تشكلت بموجبها جميع الحكومات بعد 2003، وكل التسميات تعتمدُ (ألف) المشاركة، بدءاً بالتوافق السياسي الذي لا يصح من دون أنْ (يتوافق) اثنان أو أكثر، كتلتان أو حزبان أو جهتان سياسيتان، ثم وصلنا للمعنى الأوسع والأقرب الى رأس امري في هذا المقال، وهو الشراكة الوطنيَّة
، وهي تشترط أنْ (يتشارك) أكثر من مكون أو حزب في العملية السياسية؛ وفي جميع ما مررنا به من مراحل سياسيَّة لم نجد (معارضة) عراقيَّة حقيقيَّة، لأنَّ ما يجري هو اعتراض لا معارضة، ذلك لأنَّ الكتلة التي اختارت المعارضة لم يجمعها (مشتركٌ رفضيٌّ) مع مجلس النواب ولا مع الحكومة
، فجميع الكتل السياسيَّة في مجلس النواب لا تعارض أفكار وتوجهات تيار الحكمة، وهنا نفقدُ أحدَ شرطي اكتمال معادلة
المعارضة.
نعم، إنَّ الوصف الأدق والأفضل لتيار الحكمة هو الكتلة المعترضة، لأنَّ المعارضة السياسيَّة بمعناها الدقيق تعني الاختلاف التام مع العملية السياسيَّة وتتطلب تقديم بديلٍ عنها، وهذا الأمر سيفتحُ الأبوابَ والشبابيك كلها لجميع الذين نبذتهم الصناديق الانتخابيَّة ليستغلوا المعارضة السياسيَّة، وهو أمرٌ يسمحُ بتدوير من تركهم العراق خلفه ليعودوا ويتصدروا المشهد؛ وهو يوجب التغيير الجذري وتشكيل حكومة بديلة ونظام حكم
مختلف.
لكنْ، هل يريدُ تيار الحكمة المعارضة الجذريَّة فعلاً؟ ما أراه أنه تيارٌ معترضٌ وليس تياراً معارضاً، لذلك مرحباً جداً باعتراضه، وليتبنى خيار الكتلة المعترضة؛ لأنهم - من دون شك - لديهم اعتراضات على مفصلٍ ما في الحكومة.