شجِّعْ منتخبك وأظهرْ ثقافة بلدك ولا تنلْ من المنافس

الرياضة 2024/11/13
...

 بغداد: د. حسين الربيعي

مرَّةً أخرى ستكون جماهيرنا الكرويَّة الوفيَّة على المحكِّ والاختبار الحقيقي عندما تستضيف الأشقّاء الأردنيين في البصرة الفيحاء عند المواجهة الموندياليَّة المحتدمة بين أسودنا المتوهِّجة بعطائها والنشامى صاحب القفزة النوعيَّة في الأداء الفنّي.
ومن المتوقع أنَّ كلَّ من يحضر لقاء يوم غدٍ، سيشحذ هممه لتشجيع منتخبنا الوطني بشتّى الوسائل بغية تحقيق الانتصار، وعندما تصل الجماهير لذروتها تنتهي جميع مبادرات التشجيع، لا يبقى للبعض ممن امتهن التشجيع تهريجاً وتسوّلاً، سوى النيل من الفريق المنافس.
في التشجيع الرياضي، أرى أنَّ من الخطأ بمكان استدعاء التاريخ والحضارات لوضعها في كفّة ميزان التفوّق الكروي لأنَّ النتائج الرياضيَّة لا تعرف شيئاً عن هذه المفاهيم ولها مقياسٌ واحدٌ فقط: (فوز وخسارة وتعادل)، بل أنَّ الحديث عن الإرث الرياضي يمكن عدّه حالة نفسيَّة ملازمة للفرق المتنافسة بالفطرة.
المشجِّعون يعشقون منتخبات بلادهم وأنديتهم المفضّلة ولا أحد يزايد على تلك العواطف الصادقة لكن في الآونة الأخيرة، انهال البعض على المنافسين من قبيل القذف بكلماتٍ ونعوتٍ أقلّ ما يقال عنها إنّها لا تنسجم والذوق العام، لذا فإنَّ كلَّ من سيحضر في ملعب البصرة سيحمل مسؤوليَّة تمثيل شعب العراق أولاً وأخيراً، فلا بد أنْ يُظهر المشجِّع ثقافته وفنّه ووعيه ومرحه وانفتاحه ليكون المرآة العاكسة لبلده، بل أنَّ فنَّ المؤازرة الخلّاقة لطالما أسهم في كسب ودِّ جماهير الفرق المنافسة.
من دون مواربة نقول: لقد اكتست الأغاني الملهمة للتشجيع في الآونة الأخيرة ألحان أغاني الحروب وأهازيج الثارات، واحتوتْ على كلمات استصغار للمنافسين والتعالي عليهم، من دون أنْ تُدرك ردَّ فعل الطرف المنافس، فماذا لو فعل أنصار الفريق الزائر ونالوا منّا بالطريقة نفسها في ملعبهم أو في مواجهة الإياب؟! هل هو مسموح لك، وممنوع على المنافس!.
أبنائي بناتي إخواني أخواتي وكلّ من سيذهب إلى ملعب البصرة رجاءً لا تُنصتوا إلى الإعلام المنفلت في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يسعى لتشويه صورة الوطن من خلال الرياضة، أو يُصوِّر للحالمين بالفوز بأنَّ المباراة هي حرب وقتال لأنَّ تلك (الأكشاك) الإلكترونيَّة- الوهميَّة التي ستختفي لاحقاً- تسعى لتحويل اللقاء إلى شغبٍ وعنفٍ في الملاعب لتهديد السلم والأمن المجتمعي أو ربما تُفقدنا أيضاً المكتسبات الكبيرة التي حصل عليها منتخبنا من وراء اللعب بين أرضه وجماهيره.
بحذرٍ شديدٍ أقول: شجِّعْ منتخبك ولا تنلْ من المنافس، لأنَّ الأخير له فريق يُمثل شعباً وبلداً أيضاً، كذلك فإنَّ القاعدة المعروفة تقول (الشعوب لا تدان) فما بالك وأنت في منافسةٍ رياضيَّةٍ تفترض الانسجام والتفاهم من أجل السلم والمحبَّة والطاعة والنظام.
أسوق هذه المقدِّمة لأصل إلى السطر الأهمِّ بأننا لا نريد أن يشعر الخاسر في مباراة كرة قدمٍ بالعار على بلده وشعبه، ولا يشعر بالدونيَّة أمام الذي تفوَّق عليه، لأنَّ ذلك سيتسبَّب بمشكلاتٍ اجتماعيَّةٍ ونفسيَّةٍ كثيرة، أولاها النفاق مع النفس، فمن لا يرضى بشريعة الفوز والخسارة في الرياضة، قطعاً سيذهب لتسويق نظريَّة المؤامرة، وعندها تضيع أيّ فرصةٍ محتملةٍ للمنطق والتحليل والنقد لأسباب الهزيمة أملاً في تجاوزها مستقبلاً.