هويدا محمد مصطفى
تتميز أعمال الفنانة عبير أحمد بمناخها البصري التعبيري العفوي على الرغم من طغيان الصياغة الواقعيّة في بعضها، فهي تعمل على إبراز اللمسات اللونيَّة، بالأداء التلقائي، المعبر عن حركة وحيوية الجسد والوجه والعناصر الأخرى عبر صياغة حديثة، تسير في إطار وهاجس يمنح الرسم التوازن بين تحولات اللون والضوء.
وتبتعد الفنانة عن تقليديّة الأداء الواقعي الدقيق والتسجيلي، كمدخل للكشف عن عوالم الغنائية اللونية والضوئية والشاعرية البصرية، فقد تمكنت عبر تجربتها أن تكشف أسرار التقنيات اللونية الكثيفة القائمة على طريقة تركيب الطبقات، وإظهار قدرتها في تحريك الموضوعات الواقعية. لإلقاء أضواء جديدة حول لوحاتها على صعيد الموضوع والتقنية والنواحي التعبيرية والجمالية ومراحل تطور وانعطافات التجربة كان لنا معها الحوار الآتي:
* ما مدى تأثير بيئتك الساحليَّة على لوحات بداياتك؟
- كانت بيئتي الساحليَّة التي أغرق بها هي لوحات كتبنا المدرسيّة.. لوحات فنان الطفولة ممتاز البحرة كنت استمتع بتفاصيلها وبحركتها الرشيقة مع حفظ أناشيد الشاعر سليمان العيسى من غير أن أدري. كل مساءاتي وأنا أرسمها مراراً ومراراً الأهالي يبحثون عن موهبة في أطفالهم لتنميتها لكن ممتاز البحرة هو من كان يبحث عن مواهب الأطفال في الرسم حينها. وكان خالي صلاح عقول مدرساً في كلية الفنون يلاحظ حبي للرسم واستمتاعي به فكان أول من حضر لي الألوان والدفاتر ليشجعني بالرسم والخط العربي.
* كيف حصل التحول نحو المواضيع الإنسانيّة؟
- الطفولة مرحلة، والصبا والمراهقة مرحلة، والنضج والخبرة والتجارب الحياتية والاطلاعات مرحلة أخرى، فأنا اليوم ومن غير أن أدري أرسم مواضيع تحاكي النفس والروح، مواضيع تتعلق بأهم شيء بالحياة وهو الحب والجمال ومعاناة المرأة في مجتمع شرقي يحمل الكثير من العبء على مشاعرها وحريتها؛ لذا قد يكون الرسم هو لحلم لم نستطع تحقيقه أو محاكاة نفسية لقضايا نعاني منها ونعيش في تناقض عن مشاعرنا الحقيقية في هذا الواقع الذي أجده بصراحة مرير جدا.
* ما الذي حال من دون دخولكِ محترفات كلية الفنون الجميلة؟
- وتلك معاناة أخرى بمجتمعاتنا. نظرة المجتمع لتلك الكليات أنها كليات لا معنى لها، فالطالب المجتهد يجب أن يدرس فرعا علميا محترما يؤمن له مستقبله بعيداً عن رغباته وشغفه، لذلك أهلي المثقفون لم يقتنعوا ابداً بكلية الفنون رغم دخولي إليها لأتحول لاحقاً لدراسة كلية التجارة وإدارة الأعمال، وأنا بعيدة جداً عن عالم الأرقام والحسابات والفكر الاقتصادي تلك السنوات، حقيقة كانت معاناة كبيرة لي ولا أحبها وأتذكر أنني حين تخرجت من كلية الاقتصاد أحرقت كل الكتب والباقي رميته بالقمامة أمام عيني أمي التي أحبها جداً.
* أعمالك فيها عفوية وحداثة، كيف تم اكتساب هذه الخبرات التقنية المرتبطة بثقافة فنون العصر؟
- في دراستي الجامعية لكلية الاقتصاد أكملت الرسم في مركز أدهم إسماعيل، وكانت الأساتذة مثل عدنان حميدة وحمود شنتوت تأثير رائع باكتشاف أين يبرع الطالب، وكيف يوجه؟، وأظن هنا اكتشفت شغفي بالباستيل واللون الزيتي، وبقيت تلك التجربة التي كانت عفوية بداخلي ولحظات الاستمتاع بتلوين لوحات عفوية لم تمحَ من الذاكرة، لأعود بعد انقطاع طويل مع تلك الذاكرة لأطورها في هذه السنوات الثمانية والتي ما زلت أتعلم من خلال تجربتي الخاصة والتجريب المستمر.. كل لوحة هي تجربة واكتشاف جديد لتقنية وضربات خاصة، وتطوير لأسلوب نحبه ونستمتع به، وما زلت في طور التجربة والتجريب و"عالم الفيس بوك" فتح آفاقا عالية لمشاهدة اللوحات العالميّة والبحث في مكنوناتها إن كانت لوحات قديمة أو حداثيّة.
* هل قدم النقد التشكيلي لك معطيات على صعيد تطوير تجربتك؟
- النقد إن كان من أشخاص حقيقيين يسهم في تطور الفنان، فقد تكون مساحة بلوحة غير متقنة أو تحتاج لإعادة نظر أو أن الأسلوب في التقنية غير موفق. يحتاج الفنان إلى ناقد ذي رؤية ليضع أصابعه التي تاهت أو طريقته لا تناسب تلك الخطوط. الفنان دائم البحث ولوحته دائماً هي غير مكتملة، وأن خبراته تتراكم مع التجريب المستمر، وأن النقد الحقيقي مرافق للفنان ويقدم الكثير لكن الكلمة الأخيرة هي لصوته وروحه وبصمته في الرؤية والتكنيك والموضوع.