ماذا جرى في امستردام؟

قضايا عربية ودولية 2024/11/13
...

علي حسن الفواز

استفزاز الرأي العام العالمي بات جزءاً من لعبة ترويج العنف الصهيوني، وممارساته العنصريَّة، واصطناع المواقف التي تقوم على استنفار ما هو مخفيٌّ في ذاكرة العصاب المثيولوجي، فما حدث في امستردام من أعمال عنفٍ خلال مباراة لكرة القدم بين فريق "مكابي تل أبيب" و"أياكس أمستردام" الهولندي كشف عن ذلك المخفي، وعن الأهداف التي تقف وراء هذه الأعمال التي اصطنعها المشاغبون الصهاينة، بعد قيامهم بتمزيق العلم الفلسطيني.
تداعيات هذا العنف تركت انطباعاً بأنَّ ما جرى كان مُدبَراً، ومُخططاً له، وليس بعيداً عن "صفقاتٍ سياسيَّة مشبوهة" فالهبّة الجماعيَّة التي قام بها  زعماء ومسؤولون أوروبيون ليست بريئة، إذ تحول هؤلاء  الى حماة لحقوق الإنسان، والى مُدافعين عن "السامية" وعن قيم السلم العالمي، وعن أخلاق التنافس الرياضي في كرة القدم.
اللون الواحد والمواقف المتشابهة لهذه المنابر تُثير الشكوك حول طبيعة هذا الحدث، في توقيته، وفي افتعال أسبابه، حدّ أنَّ البعض منهم جعل من هذا الحدث الرياضي فرصة للدفاع العلني عن الكيان الصهيوني، وكأنَّ الغاية من كلِّ ذلك هي التغطية على جرائم الصهيونيَّة في غزة ولبنان وسوريا، والى تشبيه هذا العنف "الرياضي" بحكاية الهولوكوست، والعنف المثيولوجي الغامر في الذاكرة الصهيونيَّة.
تغويل هذا الحدث وتحويله الى تراجيديا سياسيَّة يفتح الباب لصياغة سرديَّة أخرى، تقوم على "شيطنة" العرب في أوروبا، ودفع الحكومات الأوروبيَّة الى إعادة النظر بسياسات اللجوء والهجرة، والدفع باتجاه اتخاذ إجراءات عنصريَّة، رغم أنَّ ما جرى لا يخصّ العرب والمسلمين الفلسطينيين وحدهم، بقدر ما يخصُّ جمهوراً رياضياً عامَّاً يشارك فيها أنصار نادي أياكس أمستردام من الهولنديين وغيرهم، لكن المطابخ الصهيونيَّة وأبواق اليمين المتطرف جعلت منه "حدثاً عنصرياً" ومعادياً للسامية، دعا من خلاله رئيس الوزراء الهولندي ديك سخوف للتصريح بأنَّ هذا الحدث هو "دليل على تصاعد معاداة السامية" فضلاً عن قيام حكومته بحملة اعتقالات لعددٍ معينٍ من المشجعين، وهي إجراءاتٌ نشمُّ من خلالها رائحة السياسة والانحياز الى الكيان الصهيوني، فضلاً عمَّا صدر من مواقف استعلائيَّة أطلقها زعماء ومسؤولون وسياسيو الأحزاب اليمينيَّة في أوروبا، وعلى نحوٍ يؤشر وجود توجهات خطيرة، وسياسات تهدف الى نقل أزمات العنصريَّة الصهيونيَّة ضد الفلسطينيين والعرب الى أوروبا، والى إشغال الرأي العام بضجيجٍ آخر وبصراعاتٍ عنصريَّة جديدة.