علي حسن الفواز
يمكن للسياسة الفاعلة أن تقطع أصابع الحرب، ويمكنها أن تفرض قوانينها على من يصرّ على خيار تلك الحرب، لكن رهانات السياسة تبقى بطيئة، والمحاربون أقل انتباهاً لما يجري في كواليس السياسة، وهذا ما يستدعي تحويل السياسة إلى خط آخر لفرض الأمن والاستقرار.
ما جرى في مؤتمر قمة قادة الدول العربية والإسلامية يكشف عن الحاجة إلى سياسة الحزم، و إلى مواجهة الكيان الصهيوني بمواقف تؤكد مسؤولية القادة على إنهاء حرب التوُّحش والعنصرية في غزة ولبنان، فرغم أن البيان الختامي للمؤتمر تضمن قرارات مهمة تدرك طبيعة الأخطار التي تهدد المنطقة والعالم، إلا أن واقع الأمر يتطلب إجراءات أكثر واقعية لتصدّي استمرار الحرب العدوانية التي يشنُّها الصهاينة على لبنان وسوريا، والإعلان الصريح عن دعم القضية الفلسطينية، على نحوٍ يدفع باتجاه تحشيد رأيٍ عام يؤكد الحرص على الوحدة وعلى المسؤوليات المشتركة.
إن ما يحدث في الأرض المحتلة، يفضح الحرب والسياسة الغربية، فكلاهما شكل واحد، وأن حماية الكيان الصهيوني هو العنوان الذي يتجاوز شرعية المجتمع الدولي، ويفرض واقعاً متعسِّفاً على الأرض، وفي التعاطي مع الحقوق الإنسانية والأخلاقية للشعبين الفلسطيني واللبناني، وهو ما يستدعي وجود سياسة عربية واضحة، لها عن خياراتها الواقعية والنقدية لمواجهة غطرسة الصهاينة، والانحياز الغربي إلى سياسات العدوان..
ما جاء في البيان الختامي يتطلب تفعيلاً، ومتابعة، وتشغيلاً لكل الجبهات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، بما فيها جبهة المقاطعة، وجبهة الإعلام لفضح تلك الحرب العدوانية على المقدسات وعلى الحقوق المدنية وعلى المؤسسات وعلى قرارات مجلس الأمن، وأن الهجوم المتواصل للكيان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان، وعلى مؤسسات الأمم المتحدة كالأنروا واليونفيل، وكذلك حظر عمل اللجان الدولية لحقوق الإنسان يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وفضح العدوان الآثم، وعدم السكوت على الاستهانة بالحقوق السيادية على الأرض، ومنع استمرار الإبادة الجماعية، وباتجاه إيجاد سياسات ضغط واسعة وفاعلة، تؤكد على أهمية المواقف العربية والإسلامية من جانب، وضرورة التزامها الشرعي والإنساني بالحقوق، ومنع التصرف بالتاريخ والقانون الدولي على وفق المزاج الصهيوني من جانب آخر، بما فيها سياسات تفريغ الأرض، وتهجير أهلها، وتغيير خرائط الجغرافيا الوطنية للبلدان التي تتعرض للعدوان الصهيوني..
إن السكوت عن هذا العدوان وجرائمه قد يدفع المنطق إلى حرب مفتوحة، و إلى صراعات داخلية تهدد الأمن القومي، والأمن العالمي، وقد تعيدنا إلى أشكال الهيمنة الكولنيالية وصراعاتها المقيتة، وهو ما يُعطي الدافع إلى تعظيم مسؤوليات السياسة كواجب شرعي ونقدي لحماية شعبينا الفلسطيني واللبناني، بدءاً من رفض استمرار الاستيطان والعدوان، وانتهاء بتأمين وصول الاحتياجات الإنسانية وإعمار المدن التي تعرَّضت لحرب التدمير.