بول غيراغوسيان.. الانقياد النمطي نحو حياة ما

ثقافة 2024/11/19
...

 ابتهال بليبل

يمكن تصور محاولات الرسام الفلسطيني بول غيراغوسيان (1926 - 1993) في ربط الذات مع العالم كموضوع يبدو خاصاً جداً- داخلياً لا نتمكن من التحكم به والسيطرة عليه.
إذ تتخذ الكثير من أعماله تلك النزعة الذاتية التي تبرز قلقنا ومخاوفنا الدفينة، وحتى المعاناة النفسية، هكذا يمكن أن تظهر لنا الجموع المتشكلة في اللّوحة مثل طوابير بشرية - كما يبدو التشكيل- تعويضاً عن غيابها المطول، أو ربما تكشف عن الانقياد النمطي نحو حياة ما، ولكنها حتماً تعطل أفكارنا.
إنها بمثابة رفض عنيف، ولكنه ليس الرفض القولي، بل هو رفض يستعمل فيه (اليد) لممارسته عبر رسم أدواته. يقول الفيلسوف مارتن هايدجر إن "كون الأشياء في حياتنا اليومية ليس كون حضور، بل هو كون لليد".
يفهم غيراغوسيان الرفض على أنه سلسلة من الألوان والإشارات العميقة، جزء منها منظم والآخر عشوائي، ومن ثم ينتج تسلسلاً تشكيلياً من التفاعلات التي يتم عبرها صناعة الأدوار.
هكذا يعترف بول غيراغوسيان بأن سلوكيات حياتنا اليومية ترتبط بمخاوفنا الذاتية من منظور الألوان ليس بالأمر الهين. وهذا يعني أنه كيف يمكن لمخزون اللاوعي أن يكون تجسيداً فنياً مهماً.
أما لوحاته المعنونة بالأم فهي الأعمال الأخرى التي تمارس الشكل النابض بالحياة من النشاط المتعلق بالأمومة، ولكن في الوقت نفسه يعمل ضد الصور النمطية السائدة عن هذا الدور، فيظهره بشكل يدفع المتلقي بالشعور بالصدمة.
ويمكن من خلال التأمل الفلسفي أن نفهم أن وجود الأم يعني "معاناة، ألم، حزن، قلق" كمشاعر وسلوكيات وأفعال مرتبطة بسياسات الجسد اليومية للأم، فيبرز رفض الفنان هنا كمحالة لكشف الضعف الذي في داخله.. فقد كانت حياة بول غيراغوسيان صاخبة مليئة بالحزن والكوارث والفواجع، فتأتي اللوحة هنا لتصرح عبر ألوانها وخطوطها وتشكيلاتها دفاعاً عن الإنسانية.  
حتماً تختلف تصورات المتلقي للأعمال الفنية بحسب خزينه المعرفي وثقافته الاجتماعية والبيئية، وكذلك توجهاته الفلسفية والنقدية عن ذات الفنان الذي يحاول تصحيحها من خلال سحب العالم إلى داخله.. عمق لوحاته كي يتمكن من الانتماء إلى هذا العالم البعيد.