ابتهال بليبل
يجسّـد سيـروان بـاران مشاعر مُركّبة ودقيقة، وهو يصوّر المشاهد المؤلمة في الوجود التي تبدو مغرية أيضاً بقدر ما هي حزينة، وغامضة في آن واحد، وعلى الرغم من أن الألوان الهادئة في اللوحات عادة ما توحي بالحياة الروتينية المنسابة بتدفق من دون عقبات، لكنها عنده ومع خلفية من الألوان الحمراء والبيضاء تعبّر عن الضعف والاستسلام تارة، وعن الغضب والصخب تارة أخرى.
سيروان باران الذي ولد في بغداد عام 1968 ينتج عوالم مشبعة بالضوء والظلام، ويؤثث لتفاصيل أخرى عن مراحل من الحياة يغلب عليها العنف والقسوة، ولكنه يترك احتمالات من يقهر الآخر، من يتركها مفتوحة، فاللوحة لا تعطي نتيجة بقدر ما تؤشر لصراع وتحد بلغة فنية مفعمة بالعاطفة والإثارة، مع إشارة دالة لانتصار العدالة.
ففي عالمه نرى الضوء والظلام وهما يمثلان الثنائيات الضدية الراسخة في الفكر الإنساني، مثل: الجمال والبشاعة، ففي لوحة تظهر فيها الوجوه وهي في وابل من الخطوط العريضة الضبابية والألوان الغامقة كالأحمر والأسود، حيث يزحف موت هادئ ومخيف، يسمح بتشكل وجه ما بالاندماج مع آخر، ويترك دائماً شيئاً لخيال المتلقي ليشكّل ما يريده من افتراضات
ووجوه.
إن الأعمال التي تنجز بتقنية (الضوء والظل) هي دراما عميقة، ومثال على "العنف" الجذاب، بقوته واستعاراته وفعاليته لذا فإن التناقضات بين الضوء والظلام لا تعدّ ملحوظة فقط بسبب تنفيذها الفني وما تعنيه وتمثله بشكل رمزي، بل أيضاً نتيجة لتأثيرها العاطفي على المتلقي.
فعند النظر إلى لوحة أخرى تظهر فيها "ماكينة خياطة" سنشعـر بتــوتر وعمـق العمل الصاخب بالوحشية تماماً مثل ما يتركه أثر مفردة (قسوة) فتلك القطعة الواضحة التي ربما تعود لأعضاء بشرية كأن هناك من يحاول
خياطتها..
هناك قوة جمالية جاذبة في العمل الذي يُرى بشكل خاص في هشاشة الوجود وكأنها تلميح إلى بشاعة الكون وهشاشته.
ماكينة خياطة يتم ملاحظتها بطريقة تجعل ثنائية الأبعاد بين فعل الخياطة والأعضاء الحية هي في حد ذاتها وهماً وحشياً أو كابوساً، بينما العمق الروحي لهذا المشهد سيكون دائماً رهن صدمة المتلقي الذي سيكون أسيراً لما يقدمه خياله من افتراضات.
سيروان باران الذي درس في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، وشارك في معارض فنية محلية وعربية وعالمية يحاول أن ينقلنا معه إلى مشاعر دفينة تجاه الأحداث الكارثية والمؤلمة عبر تدرجات لوّنية تترك انطباعا يشي بحداثة معمّقة تتماشى مع حرية التعبير، وتخضع لتحولات موجهة في البحث عن الابتكار في الشكل والمضمون، وإلى ما هو أبعد من مجرد ألوان وخطوط وضربات فرشاة، حيث الصراعات والحروب والكوارث، فضلاً عن امتزاج مرحلة الحداثة مع الثقافات الأخرى ومحاولة فهمها. باختصار.. تعكس أعمال الفنان سيروان باران التاريخ المعقد والمتنوع ومدى استجابتنا له مع لحاظ إنه يترك مساحة ما لخيال الرائي قد تنتج - وأقصد بها مساحة الخيال- استجابات أعمق وأكثر صدمة ممّا يجعل لوحاته ذات خطاب متوالد ومستمرعند كل مشاهدة جديدة.