في ظروفنا الحالية ما زال اقتصادنا يسير في خطى متسارعة خلف النفط وعمليات تصديره بوصفه السلعة العالمية الأكبر رواجا والأوسع مبيعا والأعظم عوائد والأكثر مردودا ماليا، وقد يكون هذا الأمر مقبولا إلى حد ما، لكنه في ذات الوقت محفوفا بالمخاطر نظرا لتقلبات أسواقه وتذبذب أسعاره العالمية اساسا على متغيرات السياسة والأمن الدوليين، ما يضع أمامنا تحد كبير يفرض علينا الاستجابة له وهو البحث عن منافذ اقتصادية جديدة تدخل ضمن إطار موارد البلاد الستراتيجية دائمة العطاء، متصاعدة النماء، لاسيما ان عوامل الاستجابة متوافرة بشكل كبير ومتاحة بصورة واضحة وبجهود
ميسرة.
ومن خلال وقفة تأمل جدية، نبحث فيها عن أسس استغلال ما متاح في ارض بلدنا الغني من عناصر الدخول في عالم الاقتصاد النامي والمزدهر لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ثروات البلاد التي عرف بها منذ القدم وهي الثروات الطبيعية وفي مقدمتها الزراعة، وما يرافقها من ثروة حيوانية مدرة للمال وميسرة لسبل العيش، فالنبات الطبيعي، الذي غطى مساحات واسعة من ارض البلاد بدأ ينمو شامخا ويكسي ثرى الوطن الطاهرة خضرة
وجمالا.
وحري بنا أن نمر مرور الكرام على اسطر من تاريخنا العريق وهو يروي لنا أن العراقيين أول من دجن الحيوان وأنتج القوت في الحضارة البشرية بعد أن كان صيادا وجامعا للغذاء، فحسب، لكنه أدرك بعد ذلك قيمة الأرض التي يحيا عليها وغناها بموارد الحياة، لا بلا استغل ملاءمتها للزراعة وقربها من مصادر المياه واحتوائها على تربة صالحة للزراعة وغناها بالكثير من المواد العضوية اللازمة لإنبات مختلف المحاصيل الزراعية ولكل المواسم من غذاء بشري ومراع للمواشي والطيور والدواجن.
والى يومنا هذا، بالرغم من تأثرها بعوامل بشرية غير محسوبة من اهمال وتخريب في عقود ماضية حيث أهملت خطوات استصلاح التربة ولم يكن هناك من يضيف لها الأسمدة العضوية والكيميائية ليزيد من غناها ويجعلها أكثر ملاءمة للزراعة، ورعي الحيوانات حيث هاجر الفلاح أرضه وترك معوله وأهمل آلة زراعته وركب موجة المدنية، على أمل أن ينعم بمنافع وسائل التكنولوجيا، وتناسى ان تلك الوسائل من الممكن أن تأتيه إلى حيث باب مزرعته وهو يمارس نشاطه الحيوي، ليكون مزارعا واعيا منتجا لا مهملا.
ونحن في هذا الموضع يجب ألا نتجاهل البرامج والخطط الواعدة التي تقوم بها الجهات المحلية ذات العلاقة في بلدنا لإعادة الإنتاج الزراعي أو الحيواني إلى الواجهة في الكثير من مناطق العراق عندما أطلقت دوائر بيطرة كركوك وذي قار حملات لتلقيح المواشي ضد امراض الحمى القلاعية والتسمم المعوي للحفاظ على الثروة الحيوانية والاستعداد لثلاث حملات تلقيحية صيفية مجانية للأبقار والجاموس والحيلولة دون انتشارها وما تسببه من خسائر اقتصادية في تلك الثروة بعد أن بلغت مخاطرها هلاكا بنسبة بلغت 30 ـ 40 بالمئة في العجول حديثة الولادة، فضلا عن حملة تلقيح ضد مرض التسمم المعوي في الأغنام والماعز للوقاية مـن المرض المذكور قبل انتشاره وتسببه بخسائر اقتصادية للمربين،وحملة رش وتغطيس الحيوانات للتخلص من الجراد والحشرات وللقضاء على فيروس(هايلوما) العامل الناقل الرئيس لمرض الحمى النزفية إلى
البشر.
تلك الإجراءات لابد من تعزيزها بدورات توعية لمربي الحيوانات لمساعدة الجهات الحكومية القائمة على الوقاية، كذلك العناية بنوعية التربة وجودة المحاصيل العلفية بتخليصها من الأعشاب الضارة،وعدم زراعة نباتات تفوق قدرتها الاستيعابية،كما يجب استصلاح التربة بين موسمٍ وآخر والتنويع في زراعة الأصناف المختلفة، وتغذيتها باستمرار وتزويدها بالأسمدة بشكلٍ دوري ليُساعد في تهوية التربة، وتفكيك أجزائها، وفوائد كثيرة،للحفاظ على جودتها حتى مرحلة ما بعد
الاستصلاح.