{غوبلز والفوهرر}.. قراءة في عبث التاريخ

ثقافة 2024/11/25
...

علي حمود الحسن    




تستهوي أفلام السيرة الذاتية عشاق السينما، وأنا واحد منهم، خصوصا تلك التي تتناول شخصيات، أثرت في عصرنا سلبا او إيجابا، واحدٌ من تلك الأفلام "غوبلز والفوهرر"( 2024) للمخرج الألماني يواكيم لانج، الذي شرح فيه العلاقة الإشكالية والغريبة بين هتلر وغوبلز، الذي صنع اسطورة الزعيم النازي بعبقريته الإعلامية، التي حولت الشعب الأماني الى قطيع مغيب عن الوعي يسير متسرنما وراء قائد مجنون.. اذ   سوغ هذا المفوه المؤثر لهتلر كل جرائمه وحماقاته.. الفيلم من بطولة روبرت ستادلوبر (غوبلز) و"فريتز كارل (هتلر)، وفرانشيسكا ايز (ماجدة غوبلز)، وصورة كلاوس فوكسجياجر.

تناول المبنى السردي الرئيس للفيلم علاقة هتلر بوزير دعايته العبقري والمبتكر غوبلز، الذي عرفه مبكرا، ونظم أجندته الدعاية الخارجية والداخلية ليحول الفوهرر الى الإله، الذي بيده انقاذ الشعب الألماني من ذل معاهدة فرساي الجاحدة، من خلال السينما والصحف والخطب الرنانة، الذي كان بارعا فيها .. أظهر لانج افتتان هتلر بهذا الكائن القميء "غير المسلح"، الذي نجح في توحيد ألمانيا أمام الاحداث الكبرى، موظفا  الوثيقة (أفلاما تسجيلية ووثائق مكتوبة)، ليتسق سرده مع الأحداث المروية، قدم الممثل الألماني ستادلوبر شخصية غوبلز بتمكن ودراية، مجسدا شخصيته المركبة والمختلة نفسيا، الذي عوض ضآلة جسده وعوقه (وهي صفات تجعله خارج جنة الجنس الآري المتكامل) بداء العظمة، فيما جسد كارل شخصية  الفوهرر العصابية في قمة انتصاراتها وهزائمها، خصوصا المشاهد، التي جمعت هتلر بعشيقته ايفا براون (رافيئلا موست)، وعلاقته الحميمة بأطفال غوبلز وأمهم ماجدة (فرانشيسكا ايز).. ربما بدا المشهد الذي ينهي به غوبلز وزوجته واطفالهما الأكثر ايلاما.

صور كلاوس هاتين الشخصيتين في أوج تألقهما بلقطات منخفضة لإظهار عظمتهما، لا سيما أثناء إلقاء خطبتيهما الناريتين، بدت الكاميرا مهزوزة وهي تمسح مخابئ الفوهرر، الذي ما زال مقتنعا بقوته وقد تحولت برلين الى مدينة اشباح، حيث غلبت الالوان الرمادية والزرقاء الكابية وانارة خافتة.

ثمة خط سردي عن علاقة غوبلز بعشيقته الممثلة التشيكية ليدا باروفا (كاتيافيلين)، التي وظفها في أفلام ذات مضامين دعائية، وكادت أن تعصف بعلاقته الزوجية، لو لا تدخل هتلر الذي كان ينظر لأسرة غوبلز باعتبارها الاسرة الألمانية المثالية.. وسلط الفيلم الضوء على المخرجة الألمانية ليني ريفستال (هيلين بليشنجر)، التي أسست بتوجيه من غوبلز "سينما الدعاية"، اذ اظهر الفيلم مشاهد من فيلمها الرهيب "انتصار الإرادة".

خط سردي آخر مر بشكل عابر عن علاقة غوبلز بجنرالات النازية، الذين كانوا يتحفظون على أساليبه الدعائية وقدرته على الكذب، اذ كان غالبا ما يضاعف من اعداد قتلى العدو وينصف قتلى الالمان.. الفيلم قراءة لعبث التاريخ.. حين يقوده المجانين.