إعداد: وسام الفرطوسي
كانت جائزة بوكر الأدبيَّة البريطانيَّة هذا العام من نصيب رواية “أوربيتال” (Orbital) للكاتبة سامانتا هارفي، والتي تتناول قصة ستة رواد فضاء يراقبون الأرض من محطة الفضاء الدوليَّة.
ويتمحور الكتاب حول تفاصيل يومٍ يمضيه روّاد فضاء من اليابان وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا في محطة الفضاء الدوليَّة، وهم يراقبون الأرض، ويتحدثون عن موضوعات الحداد والرغبة وأزمة المناخ.
وهارفي هي أول كاتبة أنثى تفوز بالجائزة، منذ 2019، العام الذي فازت فيه الكنديَّة مارغريت أتوود، والبريطانيَّة برناردين إيفاريستو مناصفة.
وقالت هارفي عند تسلّمها الجائزة: “لم أكن أتوقع الفوز”، وأهدت هذه المكافأة إلى “كل من يتحدث لصالح الأرض لا ضدها، ولصالح كرامة البشر الآخرين والحياة الأخرى لا ضدّهما، ولجميع البشر الذين يتحدثون لصالح السلام ويدعون إليه ويعملون من أجله”.
تُعدّ رواية “أوربيتال”، الممتدة على 136 صفحة فقط، ثاني أقصر رواية تفوز بالجائزة، والأولى التي تدور أحداثها في الفضاء، بحسب “بوكر برايز فاوندايشن” التي تمنح الجائزة.
وهذه الرواية الخامسة لهارفي، البالغة 49 عامًا، والتي تفوز بعد 15 عامًا من إدراج كتابها الأول “ذي ويلدرنس” في اللائحة الطويلة لجائزة بوكر.
ووصف رئيس لجنة التحكيم إدموند دي وال، “أوربيتال”، بأنه “كتاب عن عالم جريح”، موضوعه “الجميع ولا أحد”. وأضاف: “بلغتها الغنائيَّة وأسلوبها، تجعل هارفي عالمنا غريبًا وجديدًا لنا”.
وقالت هارفي، في مقابلة مع منظمي الجائزة، بعد إدراج روايتها في لائحة بوكر الطويلة: “أردتُ أن أكتب عن احتلالنا البشري للمدار الأرضي المنخفض خلال ربع القرن الأخير، ليس بأسلوب خيال علمي، بل بواقعيَّة”. وأضافت: “هل يمكنني استحضار جمال نقطة المراقبة هذه بعناية؟ هل يمكنني الكتابة عن الدهشة؟ (…) هذه كانت التحديات التي وضعتها لنفسي”.
وتنافست هارفي مع رايتشل كوشنر عن “كرييشن لايك”، وآن مايكلز عن “هيلد”، ويائيل فان دير فودن عن “ذي سايفكيب”، وشارلوت وود عن “ستون يارد ديفوشنال”، وبيرسيفال إيفريت مع روايته “جيمس”.
يروي هذا الكتاب، المفعم بالشاعريَّة والتأملات، ما يدور خلال يوم كامل على متن محطة الفضاء الدوليَّة، على إيقاع ظواهر الشفق الست عشرة التي يرصدها رواد الفضاء أثناء دورانهم حول الأرض.
وإذ تقول إنها لا تزال في حال من “البهجة” و”عدم التصديق”، توضح سامنثا هارفي أن “هذا الاختيار قد يبدو غريباً بعض الشيء لأنني لم أكن أعرف شيئاً عن الفضاء، رغم أنه كان يثير اهتمامي دائماً”.
لكن الروائيَّة البالغة 49 عاماً، لم تشعر بالحاجة إلى التفاعل مع رواد فضاء، وبدلاً من ذلك انغمست في كتاباتهم “الجذابة جداً” في أحيان كثيرة عن الفضاء، كما أجرت أبحاثا مكثفة.
وقد استلهمت بصورة رئيسيَّة من البث الحي بالفيديو من محطة الفضاء الدوليَّة، والذي يمزج بين مناظر الأرض وتفاصيل يوميات شاغلي المحطة خلال قيامهم بمهامهم.
وتقول هارفي إنَّ هذا البث المباشر “يسمح بالسفر مع رواد الفضاء حول مدار الأرض، وهذا ما فعلتُه لسنوات: السفر كل يوم”.
وتضيف “أعتقد أن هذه الرواية تدور حول الأرض أكثر من الفضاء”، وقد “سمحت لي بالكتابة عن الزمن والاضطراب وتجربة الزمن الغريبة، التي شغلتني في كل رواياتي” منذ أول رواية بعنوان “ذي ويلدرنس” الصادرة عام 2009.
وقد توجت لجنة تحكيم جائزة بوكر هذه الرواية الحزينة التي تعكس جمال الأرض وهشاشتها، تزامنا مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب29”، وبعد أيام قليلة من إعادة انتخاب دونالد ترامب المعروف بمواقفه المشككلة بتغير المناخ، لرئاسة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تقول سامانتا هارفي إنها كتبت “أوربيتال” بهدف وحيد يتمثل في إنجاز عمل “يمكن تصوّره بصريّا”، مع إدراكها أن التساؤلات حول تغير المناخ ستُطرح بشكل طبيعي، مثل مسألة الحفاظ على الفضاء.
وتضيف “نحن نستغله وندمره بالطريقة عينها التي استغلّينا بها هذا الكوكب ودمرناه”، داعيَّة إلى “التحرك” في هذا الصدد.
وتوضح “مسؤوليتي جماليَّة (...) لو كان لهذا الكتاب تأثير إيجابي من شأنه أنْ يسهم في التغيير، سأكون سعيدة للغاية، لكنني أعتقد أن هذا الأمر ليس في يدي”.
عندما أكملت المؤلفة رواية “أوربيتال”، التي كُتبت جزئياً أثناء فترات الإغلاق خلال الجائحة، لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا قد حدث بعد.
لكنْ “كان من الواضح بالفعل أن مشروع السلام هذا المتمثل في محطة الفضاء الدوليَّة، والذي يجمع رواد فضاء من روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، “أصبح مقيّدا أكثر فأكثر”.
وتتابع قائلة “نعلم أن محطة الفضاء الدوليَّة ستخرج من الخدمة في غضون سنوات قليلة (...) ولدي شعور بأنّ هناك شيئاً مؤثراً للغاية في حقيقة أنَّ هذا الرمز الجميل للسلام والتعاون بعد الحرب الباردة آخذ في الانهيار”.
وتجهل الكاتبة الإنكليزيَّة، المنهمكة بالفعل في كتابة روايتها التالية، التأثير الذي ستُحدثه جائزة بوكر التي تضمن للفائزين بها شهرة عالميَّة مرادفة للنجاح في المبيعات.
وتشدد على أن “هذه الجائزة تشكل التكريس الأكبر لأي مسيرة أو عمل لشخص ما. أريد أن أستمد منها كل ما أمكن من ثقة وشجاعة”، من دون السماح لأي شكل من أشكال “الضغط الخارجي”.
وتضمنت الرواية لمحات نقدية حول التلوث والتغير المناخي، كإشارة الراوية إلى التأثيرات السلبية لظواهر مثل “المد الأحمر” الناتج عن التلوث في المحيط الأطلسي.
وفي ما يتعلق بتأثير الرواية على القراء، أكد موقع “الغارديان” أن التجربة القرائية لـ”أوربيتال” قد تتطلب تفرغًا كاملًا وتركيزًا عميقًا من القارئ للاستمتاع بالتفاصيل الدقيقة واللغة الأدبية المكثفة.
وينصح النقاد بأن تُقرأ الرواية في جلسة واحدة لإبراز دقتها وجماليتها، حيث تمثل كل كلمة وكل مشهد جزءًا من لوحة شاملة تجسد الهموم البيئية وتدفع القراء للتفكر في مسؤوليتهم نحو الكوكب.
في المجمل، يمكن القول إن أوربيتال ليست مجرد رواية عن الحياة في الفضاء، بل هي تأمل أدبي عميق حول مستقبل الأرض وحتمية التغيير البيئي، ما يجعلها إضافة قيمة للأدب الحديث الذي يعبر عن قضايا البيئة ويدعو إلى مواجهة تحدياتها بمسؤولية ووعي.