طه جزاع
حفلت صفحات دراسة « تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري « للمؤرخ الصحفي مليح إبراهيم شكر بالعديد من المعلومات والمواقف والكتابات الطريفة للصحفيين العراقيين الأوائل الذين أظهروا تحديهم وأحياناً سخريتهم من الأساليب الحكومية التي تهدف إلى تكبيل الصحافة وخنق الأصوات الحرة وفرض الرقابة الصارمة عليها، ومن تلك الحوادث تعطيل الحكومة لصحيفة الناشئة الجديدة، وقد استلم صاحب الجريدة إبراهيم صالح شكر وهو والد المؤلف قرار وزارة الداخلية بسحب امتياز صحيفته وهو بالصيغة الآتية : حضرة مدير الناشئة المحترم. بعد التحية. فقد اقتضى أن نسحب الأذن الممنوح لكم لإصدار الناشئة الجديدة وذلك إشعارنا الأخير ودمتم. مما دفع بشكر إلى نشر مقال في صحيفة « الربيع» لصديقه روفائيل بطي تهكَّم فيه على هذا القرار وسخر سخرية لاذعة من الحكومة، وردد في مقاله جملة « فقد اقتضى» 29 مرة! . وعلى الرغم من إن هذه الدراسة هي في الأصل أطروحة دكتوراه بجامعة أكسترا البريطانية ألا أن المؤلف أدخل عليها إضافات كثيرة منسجمة مع هدفها المحدد وهو التاريخ السياسي للصحافة العراقية على مدى 36 عاماً، تبدأ من 1932 حين أصبح العراق عضواً في عصبة الأمم المتحدة، وحتى 1967 حين أصدرت الحكومة العراقية قانونها لإنشاء المؤسسة العامة للصحافة والطباعة الذي يعني تأميم الصحافة لتصبح تحت سيطرة الحكومة.
لقد عدَّ شكر جملة « فقد اقتضى» قانوناً من قوانين آخر الزمان وأنها «عقوبة لا تقبل المناقشة، وأمر لا يقبل التأويل، وحُكم لا يقبل الاستئناف، وهي عقوبة تصادر حرية الرأي وحرية الصحافة
وحرية الاجتماع «.
لا يمتلك صاحب الرأي إلّا السُخرية إزاء تقييد حريته وفق القانون أو وفق المزاج.