علي حسن الفواز
دخل وقف إطلاق النار مجاله الإجرائي على الحدود اللبنانية، وباتت الحرب تحت خيمة السياسة، مما أعطى زخماً قوياً لعودة النازحين إلى مناطقهم، لكي يروا حجم ما فعله العدوان الصهيوني من دمار في بيوتهم ومزارعهم ومصالحهم، ولكي يبحثوا عن الكيفية التي سيتم بها إعمار قرى الجنوب اللبناني وأحياء حارات بيروت الجنوبية، حتى بدا الأمر وكأن الكيان الصهيوني يعيش عقدة الجنوب، بوصفه الأمني والعقائدي والجغرافي.
ما بعد الحرب، لا يعني السلام الكامل، لأن ما تركته من فجائع لا يقل وجعاً وحزناً من الحرب ذاتها، فما عمد إليه الكيان في هجمات طائراته يؤكد نزعته الفاشية التدميرية، وأوهامه حول "النصر" وإيذاء الآخر، حتى لو ذهب إلى خيار ارتكاب جرائم الحرب، وهذا ما أكدته المحكمة الجنائية، حين أصدرت مذكرة إلقاء قبض على " نتن ياهو وغالانت" لارتكابهما تلك الجرائم البشعة في غزة، وهذا ما دعا إلى جعل خضوع الكيان الصهيوني لاتفاق وقف إطلاق النار أمام فضائح جرائمه من جانب، مثلما أكد على هشاشة مؤسسته العسكرية، وعدم قدرتها على تحقيق أوهامها، وفي ما ادعته من "نصر مزعوم".
دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى "العودة حتى لو كانت الإقامة على ركام المنازل" حملت معها رسالة أخلاقية وسياسية وشرعية، تخصُّ أهمية التمسك بالأرض، وبأن العدو لم يستطع أن ينتزع الناس من التاريخ، ولا من الوطن، فما قدمته المقاومة من شهداء كان عنواناً كبيراً للعلاقة العميقة ما بين الناس وأرضهم، وأن مفهوم "النصر" ينطلق من قيمة الصمود، ومن عدم تمكين العدو من احتلال الأرض، ومن فرض وجوده الغاشم على وجود الشعب وسيادته.
فرض الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701 من دون تغيير في فقراته هو وجهٌ آخر لذلك الصمود، وللتأكيد على ثقة المقاومة بالدولة والجيش اللبنانيين، إذ ستضع هذه الثقة في تطبيق وقف إطلاق النار الدولة أمام مسؤولياتها الوطنية، على مستوى حماية سيادة لبنان واستقلاله، وهو ما أكده رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بالقول " المرجعية الأمنية للجيش في الجنوب، ما يُسقط الحجج التي يرتكز عليها العدو" وكذلك على مستوى التواصل مع المقاومة لمنع العدو الصهيوني من خرق الاتفاق، والعودة إلى المناورة بالحرب، وكذلك على مستوى التنسيق مع قوات الأمم المتحدة "اليونفيل" لتأمين حدود الخط الأزرق، وهو موضوع يتطلب أهمية التنسيق الوطني، والالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحماية سيادة لبنان.