علي حسن الفواز
ما يحدث في سوريا بعد دخول الجماعات الإرهابية إلى حلب، يكشف عن رثاثة الواقع السياسي العربي والدولي، وعن تعقّد مساراته في التعاطي مع الصراعات التي ظل كثير منها مفتوحا، وصالحا للتوظيف في أزمات مقبلة، وكأن الاتفاق على وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني كان الشفرة الخفية للبدء بهذا العدوان الإرهابي على سوريا، وبذات الأدوات التي جعلت من المنطقة بوابة للجحيم، وباتجاه يهدف إلى صياغة "زمن سياسي مضطرب" يخدم المصالح الغربية، ويمهد الطريق لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر مفارقات وصراعات تتهدد فيها سيادة الدول وأمنها القومي وهوياتها الوطنية، فدخول الجماعات الإرهابية المسلحة إلى مدن شمال الشرق السوري المحاذي للعراق له أبعاده الجيوسياسية، ودلالاته في تحويل الصراع إلى رهان مفتوح على تدمير السلم الأهلي للشعوب، وإلى حرب استنزاف تخدم مصالح الدول الكبرى، لاسيما أن الشرق السوري هو شرق الغاز، أو أن الممر السوري إلى أوربا سيكون هو الممر الناعم والستراتيجي في حرب الاقتصادات المقبلة.
فرض خيار الحرب له دوافعه المعلنة، وله أهدافه الغامضة، لاسيما في توظيفها عبر الضغط على الجبهة الروسية الأوكرانية، وعلى مسارات دعم الشعب الفلسطيني، ومنع استمرار جريمة الحرب في غزة، فضلا عن الضغط على إيران في مفاوضات الملف النووي مع الترويكا الأوروبية، وفي قضايا الأمن الإقليمي، وهذا يحمل معه نُذرا خطيرة، وصراعات جديدة قد تدفع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة إلى التلويح بخطط ومشاريع أكثر غرابة، ستكون جاهرة بعد تسنم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مسؤولياته الرئاسية، ليبدو للرأي العام وكأنه يحمل معه مفاتيح المغارات، وأجندة الكاشف السحري عن طلاسمها، وأوراق "البطل" الذي يطرح نفسه عبر التلويح بـ"تصفير الحروب" ودعوة الجميع للدخول إلى "العصر الأميركي".
السكوت على ما حدث في غزة ولبنان من جرائم حرب، ومن إبادة جماعية، يفضح هذا "المسكوت عنه"، وحتى الذهاب إلى تطبيق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني، ليس بعيدا عن نوايا الغرب بتعطيل التقارب بين جبهات الإسناد، وباتجاه يدفع الكيان والغرب إلى تبني سياسة " الذئاب المنفردة" عبر خرق الجبهات بجماعات إرهابية، لا تلتقي أهدافها مع ستراتيجات الغرب، لكنها أدوات سريعة التنفيذ لخدمة مصالحه ولسياساته، على مستوى صناعة الحروب الداخلية وإثارة الفتن الطائفية، أو على مستوى تحويل مسار الجبهات بعيدا عن تحديد هوية العدو.