يبقى التوحش قائماً حتى مع تطور فن الحرب، واعتماده على التكنولوجيا، ففي أوقات كثيرة تتخذ النزاعات الداخلية طوراً همجياً، وينتج عن هذا تدمير كبير، وحالات اغتصاب واسعة للنساء، فضلاً عن الاتجار
بالبشر.
من داعش ومروراً بالثورات الداخلية والنزاعات العرقية، فإن المرأة هي المستهدفة في الفعل الهمجي، وفي الضرر البشري، وهي التي يصيبها الأثر الأكبر من الهمجية، حتى بات الاعتداء عليها واغتصابها واستعبادها جنسياً وباءً يهدد الإنسانية جمعاء، من دون وازع أخلاقي، وبغطاء ديني في كثير من الأحيان، تحت مسميات عدة من جهاد النكاح، إلى مسميات تسدل غطاء من الشرعية على ممارسات أقل ما يقال عنها أنها استعباد ورق.
إن نكوص البشرية إلى العصور القديمة، وممارستها للعنف البشري، دليل شديد الأثر على عوز المجتمعات للرقي والسلوك الحسن، وإن التباينات الكبيرة بين المجتمعات الغنية والأخرى الفقيرة، تجعل الباب مفتوحاً لكل الممارسات الهمجية العائدة إلى ما قبل
التاريخ.
صحيح أن العالم اليوم يسير في موكب الفخر بما أنجزته البشرية من تطور، إلا أننا ما زلنا نمارس الأخلاق نفسها التي كانت سائدة في الكهوف والغابات المتوحشة، فحتى في الحروب ثمة أخلاقيات يجب أن تراعى، ولكننا نفتقدها في هذا الزمن الذي أعادنا مئات السنين إلى الخلف.
لم يعد مسموحاً اليوم أن تبقى المرأة عرضة للعنف الجنسي والجسدي، ومعاملتها كمتاع، في أثناء الحروب وخارجها، لابدّ من زيادة الوعي للحد من تلك الممارسات والانتهاكات، والعمل على تحسين المستويات الاجتماعية والأخلاقية في البلاد التي استباحتها الحروب، وأكلتها الكوارث، ويجب أن يشكل هذا الموضوع واحداً من أهم أولويات الحكومات، والجمعيات الأهلية التي تعنى بالشأن المجتمعي، حتى لا يبدو مستغرباً الحاجة لإعادة هيكلة البنية المجتمعية والأخلاقية، وإعادة بناء إنسان بقيم وأخلاق تتناسب من إنسانيته وواقعه، ودفن الموروثات التي استباحت لقرون طويلة إنسانيتنا، وفرضت سلوكيات لا تمت للبشرية بصلة.
يشار إلى أن الأمم المتحدة وفي سعيها لتطبيق شعارها بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، أعلنت في العام 2008، يوم التاسع عشر من حزيران من كل عام، يوماً دولياً للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، إلا أنه ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم، والحروب تتوالى من منطقتنا العربية، وأماكن كثيرة في العالم، فلم تفلح التنديدات ولا التحذيرات ولا العقوبات في الحد من أن تستخدم المرأة والطفل وقوداً للحرب، لذلك لن نصل إلى عالم خال من العنف الجنسي وسواه، إلا بالجنوح نحو السلم، وتجنيب الإنسانية مزيداً من الحروب والانتهاكات.