طه جزاع
نكابر أحياناً، أو نوهم أنفسنا بأننا قرأنا أمهات الكتب الكلاسيكية، ومعها أساطير الشعوب وملاحمها الكبرى، وقد يشعر أحدنا بالعيب إن سُئل عن كتاب تراثي ذائع الصيت فاته، أو يلجأ إلى التلفيق بالقول انه قرأه منذ سنوات بعيدة ولم يعد يتذكر مضمونه، غير أن كاتباً وناقداً مغربياً بمكانة عبد الفتاح كيليطو لا يجد حرجاً في الإعتراف بأنه شخصياً لم يقرأ الإلياذة لشاعر الاغريق الضرير هوميروس، لكنه يعرف محتواها. وبالمناسبة – يكتب كيليطو – “ من يقرأ دون كيخوطي؟ “، ويشرح ذلك بالإشارة إلى أن غالبية الناس لا يعرفون رائعة الروائي الإسباني ثربانتس “دون كيخوته” إلَّا من خلال رسوم الفنان غوستاف دوري، أو عبر ذكرى صفحات من كتاب مدرسي. ينطبق هذا على جل المؤلفات التي تُنعت بالكلاسيكية .
هذا مقال واحد من مقالات كيليطو الأدبية النقدية من ضمن أربعة عشر مقالاً جمعها كتاب “ في جو من الندم الفكري “ احتوى على مادة ثرية مفيدة لكل ناقد وأديب وقارىء، بل قل انها تمثل دروساً تطبيقية لا غنى عنها في النقد الجمالي الذي يخرج من اطار اللغة المعقدة إلى بساطة المُفردة وسلاسة العبارة وعمق المعرفة، وفي هذا السياق يخضع قصائد وروايات وكلاسيكيات عربية وعالمية لمبضع العرض والمقاربة والنقد المبني على روح إيجابية بناءَّة اكتسبها من ثقافة واسعة واتقان للغة الفرنسية واطلاع على أعمال عالمية مهمة من روايات جاك لندن ووالتر سْكوُت ومارك توين ومورياك، إلى بلزاك وباسكال وكافكا وبورخيس ومائة عام من العزلة، مروراً بالجاحظ وألف ليلة وليلة ومقامات الحريري ورسالة الغفران.