حروب ليست بريئة

قضايا عربية ودولية 2024/12/08
...

علي حسن الفواز



تعيش منطقتنا العربية أزمات مفتوحة، وحروبا ليست بريئة، ولا علاقة لها بـ»الأمن القومي» ولا بالأعداء الخارجيين، لأن ما يجري فيها يقوم على سياسة «فقدان الذاكرة» وعلى جرّ الصراع إلى نوع من «الإنثربولوجيا السوداء»، وإلى مناطق يمكن أن تنتعش فيها «المخيلة الإمبراطورية» لبعض الدول الإقليمية، وللغرب الذي سيجعل من المنطقة مختبرا للكشف عن تداعيات تضخم أعراض العنف على الشخصية والمجتمع، وعلى المكان والهوية، وباتجاه يهدف في جوهره إلى صناعة ما يسمى بمنظومة «الشرق الأوسط الجديد»، أو «الدوستوبيا السياسية» التي تدفع باتجاه إعادة النظر بالجغرافيا السياسية، وبالتاريخ وأسراره، وبالسرديات التي لم تعد فاعلة وسط حروب طاردة، وإيهامات تمارسها الجماعات التكفيرية، عبر عناوين سائلة كالمعارضة، أو «تحرير الشام» وغيرها، التي باتت تؤدي خدمات فاضحة للمصالح الإمبراطورية الأميركية، وفي تغذية سياساتها الجديدة في الاحتواء والطرد والعزل، وصولا إلى سياسة «التطبيع» مع الكيان الصهيوني.

ما يجري في المنطقة لا يسر الخاطر كما قال سمير عطا الله، فالواقع لم يعد تحت السيطرة، والحديث عن سيادة الدول واستقلالها بات معقدا، وتحت سقف تأويلات غامضة، وعند حسابات تخضع لفرضية القوة التي تصنعها الولايات المتحدة، وتطلق عبرها العنان لدعم الكيان الصهيوني في حروبه الملعونة، وللجماعات التكفيرية والإرهابية في أن تمارس توحشها الطائفي والعنصري تحت «الريموت كونترول» وعلى نحوٍ لا يلتفت إلى القانون الدولي، ولا إلى حقوق الشعوب، ولا إلى قيم الديمقراطية والسلم الأهلي، وكأن فكرة صناعة «الاستعمار الخشن» باتت هي الخيار الحاد في التصدي لطموحات المقاومة، ولحقها المشروع في حماية أوطانها ومقدساتها وهوياتها.

الطابع الصهيوأميركي هو التوصيف الدقيق لما يجري، ولسياسة القوة التي ستفرضها على الآخرين، ولعل تصريح الرئيس المنتخب ترامب حول موضوع «الرهائن» يكشف عن أهداف تلك السياسة، وعن موضوع القوة المفرطة التي سيحاول ترامب فرضها على الشرق الأوسط ومنطقتنا العربية، وحتى على المناطق الساخنة في «حرب أوكرانيا»، وفي «شبه الجزيرة الكورية»، وفي «تايوان» وغيرها، وباتجاه وضع خرائط جيوسياسية واقعية أو متخيلة، فضلا عن العمل على تهييج «ثقافات المسكوت عنه» لصناعة مطابخ أيديولوجية جديدة، وجماعات تكفيرية تؤمن بشهوات «العنف المقدس»، وشخصيات لا ظل لها، سوى أن تؤدي وظائف الخدمات الإمبراطورية من دون ضمير أو أخلاق، وربما سيكون لها دور في رسم السياسات الجديدة في المنطقة، وفي ترحيل فكرة الشرق من الأسطورة والمثيولوجيا إلى ما يشبه الجحيم السياسي والأيديولوجي والعصابي.