ليو سيكسين.. تجول الأرض
لي تشيان وتشن شي
ترجمة: شيماء ميران
في كل مرة يتم تحويل أعمال "ليو سيكسين" إلى فيلم أو مسلسل درامي، يُثير نقاش متقد في المشهد الثقافي على الانترنت. ففي أواخر نيسان الماضي، عُرض فيلم الخيال العلمي المقتبس من رواية الكاتب الشهير "ليو" بعنوان "السقوط الأول" في المؤتمر الثامن للخيال العلمي الصيني، وبعد آخر مرة تم فيها تحويل رواية "تجول الأرض" إلى فيلم خيال علمي في العام 2019.
لا شك أن أعمال "ليو" الحائزة على جوائز ساهمت بنحو كبير في النهوض بالأدب وأفلام الخيال العلمي الصيني سريعاً. فكيف تمكن قلم "ليو" المبتكر لأدب الخيال العلمي من كتابة هكذا اعمال؟ وما هي أوجه الاختلاف بين أعماله والخيال العلمي الغربي؟ وكيف يسير على طريق الإبداع؟ أجاب "ليو" مؤخرا عن هذه التساؤلات في لقاء مع "غلوبال تايمز".
"ليو" على استعداد أن يرى الذكاء الاصطناعي يُغير أنماط الحياة البشرية والمجتمع بنحو عام. وربما يستقرى في أعماله الهجوم الأخير للذكاء الاصطناعي. كما يتوقع أن الكتابة عن الخيال العلمي قد تنقلب أيضا، وربما يستولي عليها الذكاء الاصطناعي.
يتمتع "ليو" بمكانة مرموقة كونه كاتباً بارزاً في مجال الخيال العلمي، حتى قبل فوزه بجائزة "هوغو" عن روايته "مسألة الأجسام الثلاثة"، ويُنظر إليه رائداً في مجال الخيال العلمي الصيني.
يوضح البعض أن "ليو" بمفرده أوصل أدب الخيال العلمي الصيني إلى مستوى عالمي. هذا ليس بلا أساس، بل واضح من القرّاء العالميين البارزين للرواية، بما فيهم "باراك أوباما"، وشعبية أحدث نسخة من ثلاثية "مسألة الأجسام الثلاثة" على "نيتفلكس". رغم فوز أعماله بعدد من الجوائز في الصين منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن فوزه بجائزة "هوغو" الذي يعد الفوز الأول لكاتب آسيوي، جعل من رواياته ونوع الخيال العلمي من الأسماء المعروفة في الصين. ومنذ العام 2019، أصبح أدب الخيال العلمي الصيني أكثر شعبية بعد تحويل رواية "تجول الأرض" إلى فيلم خيال علمي.
وبعد المؤتمر العالمي للخيال العلمي الذي أقيم العام الماضي ولأول مرة في الصين، بلغت شعبية أعمال الخيال العلمي مؤشراً جديداً في "تشنغدو" بمقاطعة "سيتشوان". لم يكن لأدب الخيال العلمي أن يصعد بهذه السرعة ويتسيَّد الموقف، وينافس الأنواع الأخرى في بلد هيمنت على رواياته المبارزة التقليدية والخيال الخالد، وكانت أفلام الخيال العلمي في دور السينما من انتاجات هوليوود حصرياً تقريباً، لولا أعمال "ليو".
بقاء الإلهام في عصر الذكاء الاصطناعي
لقد اعتاد "ليو" أن ينشغل خلال النهار، ويخصص المساء للقراءة ومشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية، وأشار إلى أن الكتابة بالنسبة له ليست مجرد وظيفة، بل هي شغف، وأصبحت شكلًا من أشكال العزاء الروحي.
إن "ليو" لديه الكثير من الاهتمامات الأخرى، فهو يستمتع بممارسة الرياضة والسفر ومشاهدة الأفلام، وفيما يخص المستقبل، كشف عن مشاريع جديدة يعمل عليها، لكنه لم ينتج ما يرضيه، وأعرب عن رغبته بكتابة روايات تختلف عن أعماله السابقة. أما كيفية توصله إلى مثل هذه التقنيات والأفكار المستقبلية التي لا يمكن تصورها في أعماله، أوضح "ليو" أن التطور السريع للتكنولوجيا والأسرار، التي كشفت عنها التكنولوجيا المتطورة كانت مصادر لا حصر لها للإلهام حول المستقبل والكون. وبيّن أن التقنيات المستقبلية في الخيال العلمي، تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وهي امتدادات لها. وبعد تزايد التوجه في المجتمع إلى محتوى الذكاء الاصطناعي، بدأ "ليو" التفكير بهذا الموضوع خصوصاً بعد التطور الكبير في هذا المجال طوال السنوات القليلة الماضية وتكامله التدريجي في حياة الناس العاديين.
لقد بدأ الذكاء الاصطناعي بتغيير العالم بالفعل، بما فيها حياة "ليو"، الذي أوضح أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن ليس على نطاق واسع. ورغم ذلك فقد أشار إلى أن ذلك قد يتغير، وإن استمر الذكاء الاصطناعي بهذا التطور السريع، ربما يتدخل في إنشاء أدب الخيال العلمي ما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير عميق على البشرية في الأمد القريب والبعيد. ففي الأمد القريب، سيحل محل العمل البشري في العديد من المجالات، ما يتطلب من المجتمع التكيف مع الأمر. أما في الأمد البعيد، فقد يقترب هذا الذكاء من ذكاء البشر أو ربما يتجاوزه، ما يؤثر بنحو عميق في أنماط الحياة البشرية والأشكال الاجتماعية وطرق فهم العالم. ويأمل "ليو" أن تستكشف أعماله المستقبلية هذا الموضوع، لكنه يعترف بأن الذكاء الاصطناعي قد يحل محله ككاتب خيال علمي أيضاً.
تأتي شرارات الإلهام لدى "ليو" من تطور التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على البشرية، مثل الصور الكونية، التي كشفت عنها العلوم الحديثة، كما أنه لا يملك طريقة محددة لتحفيز توليد الأفكار، وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي الذي يتسلل إلى حياة الناس قد يكون مثالياً.
كما استوحى الكثير من أفكاره من مؤلفين عظماء مثل "ارثر سي كلارك" الذي كان متأثرا به، اضافة إلى الكاتب الاميركي "اندي وير" وأعماله مثل "ذا مارشن" والقصص الخيالية الغنية والقائمة على التكنولوجيا.
خيالٌ لا حدود له
مع أن انطباعات القرّاء على أعمال "ليو" ورواياته أنها تشترك في موضوعة انقاذ العالم، لكنه أوضح لصحيفة "غلوبال تايمز" أنه متفائل بخصوص مستقبل البشرية الذي سيكون مشرقا، حتى وإن كان هذا الطريق مليئا بالتحديات والمطبات. ويؤكد أهمية التطور العلمي والتكنولوجي المستمر إلى جانب المحافظة على روح الاستكشاف، بدلاً من الاكتفاء بالحياة المريحة على الأرض.
ورغم أن أدب الخيال العلمي نشأ وازدهر في الغرب، لكن سرعان ما توسع في الصين خلال الأعوام الأخيرة بفضل جهود مؤلفين مثل "ليو". لكن ما أوجه الاختلاف مع الأعمال الصينية، وما الأفكار الجديدة التي سيطرحها الخيال العلمي في الصين؟
منذ عرض سلسلة "تجول الأرض" في دور السينما، أشاد العديد من المشاهدين بالنهج المختلف لما يتعلق بإنقاذ العالم، ما يدل على أهمية عمل البلدان والمنظمات المختلفة معا، بدلاً من التركيز على البطولة الفردية التي نراها في أفلام هوليوود.
كما يؤكد "ليو" أنه لا يدمج عناصر الثقافة الصينية في أعماله، وأن الأزمات والكوارث التي يصورها هي تحديات تواجه البشرية جمعاء، وإنقاذ العالم هو عمل جماعي. وهذا يلقي الضوء على ايمانه بإمكانية وجود مستقبل مشرق للبشرية، طالما الاختيارات صحيحة والسعي لتحقيق التقدم.
يشير "ليو" إلى أنه مقارنة بالأدب السائد، يوجد عدد أقل نسبياً من كتّاب الخيال العلمي والأعمال المؤثرة في الصين. وأكد أهمية تعزيز المحتوى الأصلي كأساس لمزيد من تقدم الخيال العلمي في البلاد.
الخيال العلمي هو نوع أدبي مرتبط بطبيعته بالتقدم التكنولوجي. يشير "ليو" إلى أن التقدم التكنولوجي في الحياة الواقعية يوفر إلهاماً غنيا للقصة، لكنه يمكن أن يضغط ضغطاً كبيراً على إبداع الخيال العلمي. ذكر "ليو" للصحيفة إن التكنولوجيا العالية، وخاصة تكنولوجيا المعلومات، دخلت بسرعة في حياة الناس العاديين وغيرت حياتهم، وبالتالي أدت إلى انخفاض الشعور بالدهشة والغموض المحيط بها، ما يشكل تحديا لكتّاب الخيال العلمي، الذين يعتمدون على العجائب التكنولوجية في سرد قصصهم. مع استمرار التكنولوجيا في إعادة تشكيل عالمنا، يحتاج كتّاب الخيال العلمي الى إيجاد طرق جديدة لجذب القراء ودفع حدود الخيال في سرد قصصهم.
دراسة علم المستقبل
يشرح "ليو" للصحيفة أفكاره عن دور أدب الخيال العلمي في المجتمع اليوم وتأثيره على تفكير الناس ومعتقداتهم. وكيف يلعب دوراً حاسماً في الأدب الشعبي، إذ يحفز الخيال، ويوسع نطاق التفكير، ويعرض عناصر مبتكرة قوية.
ويؤكد أهمية "علم المستقبل" في التعليم وتنمية جمهور هذا النوع بين الطلاب. ليس هناك عدد متزايد من قرّاء روايات الخيال العلمي بين الشباب فقط، بل هناك جمهور كبير لأفلام الخيال العلمي والبرامج التلفزيونية أيضا. إن الخيال العلمي يُثري خيال جيل الصغار ويلهم روحهم الإبداعية والاستكشافية، ومن خلال تعريض القرّاء الشباب لإمكانيات المستقبل المختلفة، سيساعدهم أدب الخيال العلمي على تصور وتجاوز تعقيدات الغد.فيما يخص الأشخاص الذين يطمحون أن يصبحوا كُتاب خيال علمي، يؤكد "ليو" أن القدرة على كتابة القصص ترتبط ارتباطا وثيقا بنظرة المؤلف للعالم، والتي ينبغي أن تمتد إلى أبعد نقطة من حدود العواطف الشخصية للحياة اليومية.
يقول "ليو": يركز الخيال العلمي على الحضارة الإنسانية على خلفية الكون. ولا ينبغي للمؤلفين أن ينغمسوا في عواطفهم الشخصية في الواقع الدنيوي فقط، بل يجب أن يكون لديهم منظور واسع، وأن يحافظوا على الفضول والرهبة تجاه الكون، وأن ينتبهوا أيضا إلى مصير البشرية ومستقبل حضارات الأرض. وبينما يكتسب أدب الخيال العلمي زخماً، فإن السوق الفعلية له لا تزال صغيرة نسبيا. في مثل هذا السيناريو، ينصح "ليو" الشباب بأنه من الأفضل البدء في كتابة الخيال العلمي كهواية، وليس مهنة بدوام كامل، وشجعهم على المغامرة في عالم الخيال العلمي مع موازنة شغفهم بالاعتبارات العملية.
عن غلوبال تايمز