علي حمود الحسن
فيلم "كعكتي المفضلة" (2024) للمخرجين الايرانيين بهتاش صانعي وزوجته مريم مقدم، بسيط ومرح يمس شغاف القلب، وإن كسر تابوات السينما الإيرانية، فلا حجاب للبطلة المسنة التي تجاوزت السبعين وتحلم بمغامرة ترمم قلب أرملة متقاعدة تركها الشريك منذ ثلاثين عاماً، ويهفو قلبها لرفقة حبيب، عله يبدد وحشة روحها، تلتقي بسائق تكسي مطلق تجاوز السبعين، يعاني هو الآخر من الوحدة والخوف من المجهول، تدعوه إلى بيتها الأنيق المزدان بحديقة غناء تحرص على سقيها، والاعتناء بها، يثني على ذوقها وجمال ترتيب أثاثها، تفاجئه بنبيذ معتق، وتتأنق حتى أنها تبدل ملابسها أكثر من مرة، يقرران قضاء ليلة العمر، يغنيان ويرقصان تغازله بجرأة، يسألها عن سبب ظلمة حديقتها، تجيبه أن "عطباً أصاب الأسلاك فأهملتها"، يصلحها رغم زخات المطر، فيضيء البيت مرتدياً حلة فرح يتطارحان الغرام. تأتي إليه جذلة وهي في قمة سعادتها، فتجده جثة هامدة. تصعق من المفاجأة، لا تفكر بعواقب موته، التي ستثير أسئلة على شاكلة: "من جاء به إلى هنا؟"، و"كيف تختلي برجل غريب في بيتها بلا مسوغ شرعي؟"، و "كيف مات فرامرز سكراً وعبثاً، وسط جيرانها المحافظين"، لم تأبه لكل ذلك، إنما كان حزنها تساؤلاً: "كيف انتقل هذا القلب الجميل والحاني إلى الأبدية وهو الأمل والمرتجى".
قدم المخرجان سرداً خطياً بسيطاً بلا تعقيد، فمن خلال لقطات قريبة وأخرى عامة ومتوسطة نتابع يوميات ماهين، بدءاً من سقي حديقتها وتفاصيل مطبخها وانتهاءً بثرثرتها مع صديقات العمر.
صورت معظم مشاهد الفيلم في بيت ماهين، عدا مشاهد خروجها للتبضع، أو مشروعها في اصطياد حبيب متقاعد.. فنرى مكاناً واحداً يتحرك فيها ممثلان، أديا دورهما في غاية الاتقان والأريحية، هذه البساطة التي تصل حد الفطرة، هي (ومعها مزايا أخرى) جعلت معظم الأفلام الإيرانية فريدة.
نقطة التحول في شخصية(ماهين) تبلورت عندما اتخذت قراراً بالحصول على الرجل، فاقتفت أثر المتقاعدين في المتنزهات والفنادق، وفي المطاعم التي تدعم هذه الشريحة. حوارات طافحة بالشعرية، تتخللها مفارقات تثير الضحك والأسى معاً. فتوالت أحداث ومواقف تثير الأسى والضحك، بل حتى البكاء، ساعات يقتنصها هذان العاشقان المحرومان وهما في أوج سعادتهما وكأنهما يعيشان حلماً أخضر، لكنهما من جهة أخرى اخترقا محددات اجتماعية وأخلاقية ودينية، إذ تحمما معاً وإن كان في ملابسهما في واحدة من اللقطات المضحكة المبكية، رقصاً وغناء حد الإعياء وعبا من النبيذ حد السكر. ليحصل التحول الحاسم في البناء السردي بموت فرامز(إسماعيل مهرابي)..لتنقلب الأحداث رأساً على عقب .
أنهى المخرجان الشابان فيلمها الأخاذ والساحر بنهاية غير موفقة، إذ تصر ماهين على دفنه والاحتفاظ بجثته في حديقتها، ما أفقد الفيلم واقعيته. كم كنت أتمنى أن يكون كل هذا حلماً، ليتفادى هذه النهاية الفنتازية، وربما يقلل من نقمة الرقابة، التي منعت المخرجين من السفر إلى مهرجان برلين الأخير، حيث لاقى الفيلم تقييماً نقدياً وجماهيرياً كبيرين.