الفن السابع بوصفه صناعة وترفيهاً

ثقافة 2024/12/09
...

 علي العقباني

لا شيء خارج الاقتصاد والسياسة، حتى الفن لا يخرج من هذه المعادلة، ذاك ليس تهمة، إنها تأتي ضمن التركيبة العامة أو المنظومة أو تداخل وتشابك العلاقات وتبادلها، والسينما هنا قد لا تخرج عن هذا، فهي منتج معرفي، ثقافي، فني، سياسي، ترفيهي، .....الخ" ولهذا فلا بدَّ من منظومة اقتصادية تحكمه أو تديره، ومن هنا ربما نشأت فكرة "اقتصاد السينما" أو"الاقتصاد السينمائي"، والذي يمكن اعتباره علماً حديثاً نسبياً تنبهت إليه الدول منذ نشأة هذا الفن في نهايات القرن التاسع عشر، والتي توسعت فيما بعد، ولذلك وجدت فيه الدول  تأثيراً كبيراً في الرأي العام، و جدوى اقتصادية كبيرة شكلت مع الوقت أحد موارد الكثير من الدول وسياساتها كما في الهند وأميركا مثلاً، وفي مصر عربياً كذلك.
وضمن هذه الفكرة والمعطى المهم في العلاقة بين السينما والاقتصاد، صدر حديثاً في دمشق، وضمن سلسلة الفن السابع ويحمل الرقم"279" من السلسلة التي تصدرها المؤسسة العامة للسينما والهيئة السورية للكتاب في وزارة الثقافة، كتاب "اقتصاديات السينما بين العلم والتطبيق". تأليف الدكتور حسين الخطيب، وهو كاتب وشاعر له دواوين مطبوعة، ومدير الشؤون المالية والحسابات في المؤسسة العامة للسينما، وقد درس الاقتصاد.
برزت الكثير من المفاهيم مع بدايات القرن العشرين حول دور السينما كفن وترفيه وسلاح واقتصاد وسياسة، ذلك غالباً جعل الكثير من الدول تتعامل مع هذا الفن الجماهيري ليس فقط بوصفه رسالة سياسية، بل وفعلاً اقتصادياً مهماً، ترافق مع نشر الكثير من الأفكار التي تبثها الدول أو الجماعات عبر هذا الفن الجماهيري الكاسح، وفي الوقت عينه يقدم لتلك الدول دخلاً اقتصادياً إضافياً كبيراً.  والكتاب الذي بين أيدينا هنا يغوص في هذا الموضع تشريحاً وتاريخاً وتفصيلاً، متناولاً في أقسامه الأربعة تفصيلات كثيرة حول مفهوم "اقتصاديات السينما" الذي نشأ بعد أن تنبهت الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال إلى أهمية الفنون بشكل عام والسينما منها بشكل خاص، ويمكن القول إن هوليوود ذلك الصرح السينمائي الكبير الذي نشأ لصناعة الأفلام، ولوعي القائمين عليه أهمية ودور السينما وما يمكن أن تفعله، ومن هنا ربما كانت أيضاً هي أول من تنبه لهذا الأمر، بسبب الأثر الكبير لدور السينما في الاقتصاد والمجتمع، وربما تغيير المزاج السياسي العام، وبسبب انتشارها الواسع وقدرتها على ترسيخ مفاهيم السياسات الحكومية المراد إيصالها، ذلك تفعله كل الدول عموماً، ويمكن أن نضيف إلى ذلك  توثيق تاريخ الشعوب والتعبير عن الهموم القومية والإنسانية للأفراد والجماعات وزد عليهم الدور الكبير الذي تقدمه السينما في دعم الدخل القومي للدول. حسين الخطيب في كتابه هذا لا يركز فحسب على الاقتصاد في السينما، بل يركز في مساحات كبيرة على مراحل صناعة الفيلم السينمائي تفصيلاً وتحليلاً من الفكرة والاستطلاع والموافقات الضرورية وحتى العرض، مروراً بأهم مرحلة وهي التمويل، أي الاقتصاد، وكيف تؤمن لفيلمك التمويل، وهنا يذكر الكاتب الكثير من مفاصل التمويل المهمة ودورها في ديمومة هذا الفن واستمراره. وفي مقاربة الاقتصاد السينمائي في سوريا، يرى الكاتب أن هذا الاقتصاد كان اقتصاداً حراً تتحكم فيه آلية العرض والطلب واقتصاد السوق، حيث كان المنتجون يبحثون عن أفلام عربية وعالمية للعرض وأفلام محلية للانتاج ذات ربحية عالية  بقطع النظر عن الرسالة، وقد حققت السينما السورية في ذاك الزمان، فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي،  انتشاراً وجماهيرية كبيرة وربحاً كبيراً للموزعين والمنتجين، لكن الحال تراجع كثيراً وتقلص الإنتاج وقل المردود وانتشرت وسائل التواصل، وأصبح الفيلم متاحاً، وقل عدد جمهور السينما وتراجعت العائدات.
  في النهاية يمكن القول إن اقتصاديات السينما تعني جميع العمليات الإدارية والمالية والفنية والمحاسبية التي تتطلبها صناعة الفيلم السينمائي من البداية حتى نسخة العرض، وما بعدها من عمليات تسويقية وفرص العرض وتحصيل الإيرادات وكل ما له أثر مالي في العمليات الإنتاجية التي يقوم بها مختلف قطاعات الاقتصاد السينمائي، يُضاف إلى ذلك جميع الآليات والسياسات المالية والنقدية والضريبية الحكومية المباشرة وغير المباشرة التي تتبناها الحكومات في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني.
ويمكن القول باختصار إن معلومات هذا الكتاب بأقسامه الأربعة (اقتصاديات صناعة الفيلم السينمائي، اقتصاديات توزيع الفيلم واستثماره، اقتصاديات العرض، اقتصاديات التمويل) ومقدمته حول اقتصاديات الصناعة السينمائية، وتفصيلاته الكثيرة، على الرغم من تشعبها وتكرار بعض مواضيعه، يبقى كتاباً جديداً في موضوعه، يسهم في تعريف المختص والجديد في عالم الفيلم على مفاصل مهمة ورئيسة تخدمه في عالم صناعة الفيلم السينمائي من إنتاجه حتى عرضه.
يأتي كتاب «اقتصاديات السينما بين العلم والتطبيق» الصادر أخيراً في 159 صفحة من القطع الكبير.