صفاء عبد الهادي
لم يكن في تصوري أن أجد نفسي في هذا الموقف، محاطًا بكم هائل من الأسئلة من حراس المستشفى وموظفي الاستعلامات، وكأنني في موضع شبهة أو اتهام، بينما كنت أهرول نحو مصرف الدم على عجل، في محاولة لإنقاذ حياة أحد أقاربي. تركته يصارع الموت على أعتاب صالة العمليات بعد أن تعرض لحادث مفاجئ.
ما كان غريباً في بادئ الأمر، أصبح مألوفا حين شاهدت عشرات الشباب بوجوههم الشاحبة، يقفون بالقرب من مصرف الدم في مدينة الطب.. لم أكن أدرك في البداية حقيقة ما يحدث، إلى أن تبين لي أن هؤلاء كانوا يعرضون قناني دمائهم للبيع مقابل بضعة آلاف من الدنانير. رغم أن هذا الفعل، كان مخالفا للقانون، ويعرضهم لمساءلة قد تنتهي بهم في نهاية المطاف خلف القضبان.
بالتأكيد، لم يكن هذا الخيار نابعا من رغبتهم أو اختيارهم، بل كان نتيجة لأزمة معيشية خانقة وضغوط اقتصادية قاسية، في ظل نظام أهدر ثروات البلاد على حروب عبثية لم تجلب لشعبه سوى الويلات. في تلك الأيام، لم يكن بيع الدم هو الأزمة الوحيدة التي تواجه هؤلاء الشباب، بل كان هناك ما هو أشد مرارة، فقدان الكرامة الإنسانية.. فقد وجد الكثير منهم أنفسهم عالقين في دوامة من اليأس، حيث كانت البطالة، التي وصلت إلى مستويات مخيفة، تحول بينهم وبين أي أمل في غدٍ أفضل.
كلما تذكرت تلك المواقف، أزداد في قلبي مرارة أكبر، حين أسمع وأقرأ عبارة "الزمن الجميل" تتردد على ألسنة الشباب اليوم، ويتداولونها في مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى تلك الأيام، رغم أن الحظ أسعفهم بأن لم يختبروا تلك الحقبة.. ويغفلون حقيقة أن "الجمال" كان بمقدار الألم والتضحيات التي مر بها الناس في سبيل البقاء على قيد الحياة.