سقوط نظام البعث في سوريا

قضايا عربية ودولية 2024/12/09
...

 دمشق : وكالات

عقب التغيرات والأحداث الدراماتيكية المتسارعة في دمشق، ودخول قوات المعارضة المسلحة إلى العاصمة السورية فجر أمس الأحد وسقوط نظام حزب البعث، وإعلانها نهاية حقبة حكم بشار الأسد، أعلن رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي أنه مستعد "للتعاون" مع أي قيادة يختارها الشعب ولأي إجراءات "تسليم" للسلطة، بينما أكد الكرملين وصول الأسد وعائلته إلى موسكو وتم تقديم اللجوء لهم لدواع إنسانية

وقال الجلالي في كلمة بثها عبر حسابه على موقع "فيسبوك": إن "هذا البلد يستطيع أن يكون دولة طبيعية، دولة تبني علاقات طيبة مع الجوار ومع العالم، ولكن هذا الأمر متروك لأي قيادة يختارها الشعب السوري. ونحن مستعدون للتعاون معها بحيث نقدم لهم كل التسهيلات الممكنة". وأضاف، "سأكون في مجلس الوزراء ومستعد لأي إجراءات للتسليم".
وبشأن مكان بشار الأسد، ووزير دفاعه علي محمود عباس، قال الجلالي، في مداخلة مع قناة "العربية": إنه "ليس لدي أي معلومات عن مكان الأسد، ومتى غادر البلاد"، بحسب قوله.
وكشف رئيس الحكومة السورية، عن أن آخر تواصل له مع الأسد كان، مساء أمس الأول السبت، مضيفا: "وضعته في صورة ما يجري في اتصالنا الأخير"، وتابع: "الأسد قال لي، غدا نرى، وذلك في تعليقه على
التطورات".
وواصل الجلالي، قائلا: "تواصلنا مع إدارة العمليات العسكرية.. واتفقنا على أهمية الحفاظ على المؤسسات"، لافتًا إلى أن "معظم الوزراء موجودون في دمشق".
إلا أن الكرملين أعلن أن بشار الأسدة وأفراد عائلته في موسكو وتم تقديم اللجوء لهم لدواع إنسانية.
من جهتها، دعت المعارضة مقاتليها إلى عدم الاقتراب من المؤسسات العامة، مؤكدة أنها ستبقى تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى "تسليمها رسمياً".
بدورها، أفادت وزارة الخارجية السورية، أمس الأحد، بأنه "تُكتب اليوم صفحة جديدة في تاريخ سوريا، لتدشن عهدا وميثاقا وطنيا يجمع كلمة السوريين، يوحدهم ولا يفرقهم من أجل بناء وطن واحد، يسوده العدل والمساواة، ويتمتع فيه الجميع بكافة الحقوق والواجبات، بعيدا عن الرأي الواحد، وتكون المواطنة هي الأساس"، وأكدت الوزارة في بيان أنها وبعثاتها في الخارج ستبقى بخدمة كافة الإخوة المواطنين، وتسيير أمورهم.

سقوط النظام
يشار إلى أن الأحداث قد توالت بشكل سريع ومثير فجر أمس الأحد، إذ أعلنت المعارضة السورية المسلحة أنها دخلت العاصمة دمشق، وأنه تم إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بينما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين سوريين رفيعي المستوى أن الأسد غادر دمشق إلى وجهة غير معلومة.
وأكدت إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة المسلحة، أن "بشار الأسد هرب"، وأعلنت أن "مدينة دمشق أصبحت حرة"، وبث التلفزيون الرسمي السوري، صباح أمس الأحد، مقطعا مصورا للمعارضة السورية، أعلنت فيه إسقاط نظام الأسد وإطلاق سراح جميع المعتقلين من السجون، كما دعت السوريين إلى الحفاظ على المؤسسات والممتلكات العامة.
وخرج عشرات السوريين إلى شوارع العاصمة السورية دمشق في ساعة مبكرة من صباح أمس الأحد، وارتفعت أصوات الرصاص في عموم العاصمة وعلى مداخلها وكافة
محاورها .
وكانت الأنباء قد تضاربت قبل إعلان الكرملين حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد أن فقد السيطرة على العاصمة دمشق بدخول فصائل المعارضة المدينة. فقد نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين سوريين رفيعي المستوى أن الرئيس بشار الأسد غادر دمشق إلى وجهة غير معلومة، وأوضحت الوكالة أن ضابطين كبيرين بالجيش السوري أكدا لها أنه غادر على متن طائرة إلى وجهة لم يتم الكشف عنها.
وتناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعاءات حول مغادرة بشار الأسد على متن طائرة من دمشق إلى مدينة اللاذقية، وذكرت مواقع تتبع الرحلات الجوية على شبكة الإنترنت، أن الطائرة التي يعتقد أنها تقل بشار الأسد شوهدت آخر مرة في سماء غرب حمص بعد إقلاعها من مطار دمشق الدولي، لكنها فُقدت لاحقا من شاشات الرادارات، وادعت تلك المواقع أن الطائرة انخفضت إلى ارتفاع 1600 قدم، وقامت بحركات غير عادية قبل أن تختفي من شاشات الرادار.
من جهتها، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن مغادرة الأسد سوريا جاءت بعد توجه زوجته وأبنائه إلى روسيا الأسبوع الماضي. في حين نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول صهيوني قوله: إن "الأسد غادر دمشق عند منتصف الليل (السبت / الأحد) وتوجه لقاعدة روسية في سوريا تمهيدا للذهاب إلى موسكو".
وأفادت مصادر إعلامية مختلفة، بأن طائرة سورية من طراز "آي إل-76 تي" أقلعت نحو الساعة الرابعة فجر أمس الأحد من مطار دمشق، ويشتبه بأن الأسد كان على متنها، قبل أن تختفي عن أجهزة الرادار عندما بلغت أجواء حمص، ووجهتها ومصيرها مجهولان.

تأكيد روسي
في المقابل، قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان: "نتابع الأحداث المأساوية التي تشهدها سوريا بقلق بالغ. ونتيجة للمفاوضات بين بشار الأسد، وعدد من المشاركين في النزاع المسلح على أراضي الجمهورية العربية السورية، قرر ترك منصبه الرئاسي وغادر البلاد، مع إعطاء التعليمات بإجراء عملية نقل السلطة سلميا"، وأشار البيان إلى أن "روسيا لم تشارك في هذه المفاوضات".
وناشدت الخارجية الروسية جميع الأطراف المعنية بتوجيه، "دعوة مقنعة إلى نبذ استخدام العنف وحل جميع قضايا الحكم من خلال الوسائل السياسية"، وأشارت إلى أن روسيا "على اتصال بجميع فصائل المعارضة السورية". وأردفت: "ندعو إلى احترام آراء جميع القوى العرقية والطائفية في المجتمع السوري، وندعم الجهود الرامية إلى إنشاء عملية سياسية شاملة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي تم اعتماده بالإجماع". وأكدت الخارجية أن "القواعد العسكرية الروسية في سوريا في حالة تأهب قصوى. وفي الوقت الحالي لا يوجد تهديد جدي لأمنها".
وفي تطور آخر، أفادت المعارضة المسلحة بفتح أبواب سجن صيدنايا العسكري الواقع قرب دمشق، وهو من أكبر السجون في سوريا، وأعلنت الفصائل أنها نجحت في تحرير من أسمتهم "الأسرى".
وأظهرت مقاطع فيديو مصوّرة بثتها وكالات الأنباء، أعمال نهب وسرقة وتخريب للمتلكات العامة والمؤسسات الرسمية في العاصمة دمشق، وبيّنت المقاطع أن عمليات التخريب والنهب جرت أمس. وفي 27 تشرين الثاني الماضي، اندلعت اشتباكات بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة، في الريف الغربي لمحافظة حلب، واستطاعت الفصائل بسط سيطرتها خلال أيام على محافظات حلب وحماة ودرعا والسويداء ودير الزور وحمص، قبل أن تدخل فجر أمس العاصمة السورية دمشق.
إلى ذلك، أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي، أن مسلحين اقتحموا السفارة الإيرانية في دمشق، وأفادت مصادر بأن السفارة كانت خالية من الموظفين والدبلوماسيين الذين جرت إعادتهم في وقت سابق إلى طهران.

عدوان صهيوني
ميدانياً؛ أفادت أنباء متعددة باعتداءات جوية صهيونية استهدفت سوريا، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أمنية، أن "طائرات يعتقد أنها صهيونية استهدفت قاعدة خلخلة الجوية في جنوب سوريا"، بينما نقلت الوكالة أيضاً عن مصدرين أمنيين، أن "ضربات" يشتبه بأنها صهيونية استهدفت حي المزة في دمشق، في وقت أفادت فيه مصادر إعلامية بحصول انفجارين كبيرين وقعا في منطقة المزة بدمشق.
كما كشفت تقارير إعلامية، أمس الأحد، عن توغل دبابات صهيونية داخل المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان المحتلة، في خطوة وصفها البعض بـ"الإجراء الأمني" بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على مناطق قريبة من الحدود مع الأراضي
المحتلة.
وفي جهة أخرى من حدود سوريا، أعلن الجيش اللبناني في بيان أمس الأحد، أنه نشر قطعات من قواته على طول خط الحدود مع سوريا، منعاً لاختراق أي جهة مسلحة وتحسباً لأي طارئ.

ردود عربية ودولية
في ردود الفعل العربية والدولية بشأن مجريات الأحداث في سوريا وسقوط نظام الأسد؛ قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن نظام بشار الأسد سقط وانتهت حقبته، مشددا على ضرورة أن تتم العملية الانتقالية بسلاسة مع عدم الإضرار بالشعب
السوري.
ولفت فيدان بتصريحات من العاصمة القطرية الدوحة، إلى "أن الرئيس رجب طيب أردوغان مد يده للأسد ولكنه رفضها"، وأضاف، "أن ملايين السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلدهم، يمكنهم الآن العودة إلى وطنهم"، ولفت إلى "ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية".
كما شدد فيدان على ضرورة عدم السماح للمنظمات الإرهابية باستغلال الأوضاع الحالية في سوريا، كما أشاد وزير الخارجية التركي بالنهج البناء الذي أبدتاه كل من روسيا وإيران بشأن الأزمة السورية، وقال: "منذ (تجميد عملية أستانا) عام 2016، توفر للنظام السوري الوقت لعلاج مشكلاته، لكنّه لم يفعل"، بحسب قوله. وصرح فيدان أن "أنقرة لا تعرف مكان تواجد بشار الأسد، لكننا نرجح أنه غادر سوريا". الولايات المتحدة الأميركية، كانت لها عدة مواقف إزاء أحداث سوريا، إذ أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت، أن "الرئيس جو بايدن وإدارته، يراقبان عن كثب الأوضاع المتسارعة في سوريا، وعلى تواصل دائم مع الشركاء الإقليميين". بينما قال دانييل شابيرو نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط: إن "الولايات المتحدة ستظل موجودة في شرق سوريا، وستتخذ الإجراءات اللازمة لمنع عودة ظهور تنظيم داعش الإرهابي"، على حد قوله.
وعلق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، على سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، برسالة وجهها إلى روسيا وإيران. وقال ترامب عبر منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال": "رحل الأسد. فر من بلاده. لم تعد روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته
بعد الآن".
وأضاف: "لم يكن هناك سبب لوجود روسيا هناك في المقام الأول. لقد فقدوا كل اهتمامهم بسوريا بسبب أوكرانيا، حيث يوجد نحو 600 ألف جندي روسي بين جريح و قتيل، في حرب لم يكن ينبغي لها أن تبدأ
أبدا.
وأمس الأول السبت، حذر ترامب من التدخل الأميركي في سوريا، قائلا إن هذه البلاد "فوضى" و"ليست صديقة لنا"، وأضاف أن "هذه ليست معركتنا". ورحبت الدول الغربية بسقوط نظام الأسد، ودعت الخارجية الفرنسية إلى "إنهاء القتال والمضي نحو انتقال سياسي سلمي"، مؤكدة أن "الوقت الآن هو وقت الوحدة في سوريا"، كما أبدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "ارتياحها الكبير" لسقوط نظام الأسد، محذرة في الوقت ذاته من وصول من وصفتهم بـ"المتشددين" إلى السلطة. بينما قالت نائبة رئيس الوزراء البريطاني أنجيلا راينر: "إذا رحل الأسد، فذلك تغيير مرحّب به، لكن ما سيأتي بعده يجب أن يكون حلا سياسيا يعمل لصالح الشعب السوري".
كما أصدرت وزارات الخارجية في إيران والأردن والإمارات ومصر وقطر ودول أخرى؛ بيانات أكدت فيها ضرورة حفظ سلامة واستقرار سوريا.