آدم تشو
ترجمة: شيماء ميران
يمكن أن تقرأ عبارة صينيّة قديمة في كتب الطلاب المدرسيّة "اقرأ عشرة آلاف كتاب، وسوف يوجهك قلمك كما لو كان من قبل الآلهة". لذلك، نشرت وزارة التعليم الصينيّة خطة عمل لتعزيز القراءة بين الطلاب في جميع انحاء البلاد، ليس في المدارس فقط، بل بين جميع شرائح المجتمع. ومن اجل المساهمة في هذه الخطة، اطلقت "غلوبال تايمز" مسابقة مقال "حياتي القرائيَّة" لطلاب المدارس المتوسطة. وسيتم مكافأة المشاركين بمجرد اختيار المقال. مثل الكتاب الذي بعنوان "الجيل القلق" لعالم النفس الاجتماعي "جوناثان هايدت"، وهو يستكشف تزايد التحديات التي يواجهها الشباب، وخاصة منذ مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
يعزو هذا الكتاب أن سبب هذه الأزمة هو تحول اجتماعي كبير في تزايد اعتماد الطفولة على الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
عند التركيز على هذا الكتاب، نجد أنّه ناقش موضوع الكيفية التي غيرت بها وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا، بعد أن كان التواصل الاجتماعي قبل قرن من الزمن عن طريق الروايات الرومانسية مثل "حلم الغرفة الحمراء" للكاتب الصيني "تساو شيويه تشين"، إذ إن الشاب البسيط يرفض العيش في السكن الجامعي من دون الجهاز المحمول، لأنَّ الهاتف الذكي ليس مجرد خبز وزبدة للمراهق بل هو روحه.
يرى البعض أنَّ الحرمان من وسائل التواصل الاجتماعي هو بمثابة بتر روحي تقريبا، وإزالة السموم الرقميَّة ليست سوى اسم لطيف للإعدام.
ذكر أحد المعلمين ذات مرة أنَّ "ستيف جوبز" لم يسمح لأطفاله استخدام هواتف "الايفون والآيباد"، وهناك بعض أفضل المدارس تخلو من الأجهزة الرقميَّة تقريباً. يبدو أنَّ هذا غير واقعي، فبمجرد اختراع العجلة، لم تعد طريقة العيش إلى عالم افلاطون المثالي في عصر ما قبل الثورة
الصناعية.
في الصين، قد يصبح تعلم المحتوى عبر الانترنت من دون هاتف ذكي صعباً للغاية بالنسبة للمراهقين. عندما يتعلق الأمر بكيفية كتابة مراجعة فيلم أو كيفية تصميم جهاز ألعاب ذكي، وكذلك فإن حاولت العثور على المعلومات في مكتبة عامة ستجد الكتب المتاحة عمرها عقد من الزمان على الأقل، لأن وسائل التواصل الاجتماعي ستجدها في كل
مكان. رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي ضرورية للغاية، لكن بعد قراءة كتاب "الجيل القلق"، تبدأ بالانتباه والتفكير في عيوبها. على سبيل المثال، إحدى الامور التي لا يمكن إنكارها محتواها الذي يفتقر الى العمق، ويمكن وصفه بأنّه "وجبة رقميَّة سريعة". وبينما مقاطع الفيديو القصيرة قد تبعث سروراً مؤقتاً، إلا أن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يستغرق وقتا طويلا على المدى الطويل، وقد يؤدي الى الكسل، مما يثبط العزائم عن اكتساب المعرفة التي تقدمها الكتب، ومن ثم تقلل من قدرة المرء على التعلّم.
أكدت الدراسات أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي الى القلق والاكتئاب والشعور بعدم الكفاءة، وخاصة بين المستخدمين الشباب. غالباً ما تؤدي المقارنات بالحياة المنظمة على منصات التواصل الاجتماعي إلى تصورات ذاتية سلبيّة. إنَّ استهلاك محتوى قصير وسريع الوتيرة يدرب الدماغ على الإشباع الفوري، ما يجعل من الصعب التركيز على المهام الأطول مدة والأكثر تعقيدا.
كما أنّ الإفراط في الاعتماد على التفاعل الرقمي قد يضعف مهارات الاتصال المباشرة ويقلل من جودة العلاقات في العالم
الحقيقي. ورغم فوائد وسائل التواصل الاجتماعي، لكن النهج المتوازن ضروري لتقليل عيوبها وتعزيز استخدامها
الصحي.
ومع ذلك، قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعّالة للتعلّم عند استخدامها على نحو استراتيجي. إذ تستضيف منصات التواصل الاجتماعي جلسات مباشرة او ندوات يتشارك فيها الخبراء المعرفة عبر الإنترنت. كما يمكن اختيار الانضمام الى مجتمعات تتشارك الموارد والمناقشات وتجيب عن الاسئلة، ما يعزز التعلّم التعاوني. لكن ينبغي دائما التحقق من الحقائق من مصادر موثوقة لتجنب المعلومات المضللة أثناء عملية التعلم، ومتابعة العديد من المبدعين أو المؤسسات للحصول على وجهة نظر متوازنة حول الموضوعات وتخصيص أوقات محددة للتعلّم، لكي نتجنب التشتيت بسبب المحتوى غير ذي
الصلة.
إنّ الموازنة بين إيجابيات وسلبيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تتطلب اساليب ذكية. من ناحية، يجب الحفاظ على نقاط القوة في وسائل التواصل الاجتماعي مثل كفاءتها وقوتها لتحسين التواصل، ومن ناحية أخرى، ينبغي تحسين محتواها ليكون أكثر عمقا. والتعامل مع هذا الموضوع يشبه بناء سد يسمح بتدفق النهر بحرية من دون فيضانات هائلة مع ضمان ري الاراضي الزراعية بشكل جيد في الوقت ذاته.
عن غلوبال تايمز