علي حسن الفواز
كشفت التغيرات الدراماتيكية في سوريا عن واقع غامض، وعن تحولات من الصعب الرهان عليها، فبقدر ما بدا المشهد مثيراً للجدل، وكاشفاً عن تداعيات معقدة، فإن سرعة "تقويض السلطة" وسيطرة الجماعات العسكرية تركا أسئلة مفتوحة، حول الهشاشة السياسية للحكم السابق، وعدم قدرته على تحمل الضغوط الأمنية والاقتصادية، وحول علاقة هذا التقويض بضغوط إقليمية ودولية، جعلت من سرعة الانهيار العسكري مدخلاً لتغيرات جيوسياسية، لها علاقة بمشروع الكيان الصهيوني المندفع إلى احتلال مزيد من الأراضي السورية، مثلما لها علاقة بصناعة "شرق سياسي جديد" يكون هو "مربط الفرس" بكل هذه المفارقات، وبالخيارات التي أعطت للجماعات المسلحة فرصاً لفرض واقع سياسي وعسكري جديد في سوريا.
ما جرى في غزة وفي الجنوب اللبناني من عدوان وحشي وتدميري، كان مقدمة بصياغة "واقعية صهيونية" تفرض شروطها المسلحة، وتتحول إلى غطاء ايديولوجي وأمني لتمرير سياسات " إسقاط الأنظمة السياسية" وتكريس توجهات تفكيك هويات دول المنطقة، وكأن ما جرى في سوريا كان هدفاً لجعل "السقوط العسكري" مدخلاً لتسويغ الحديث عن صعود مركزية "نيوليبرالية" تعيد إلى الأذهان الحديث عن علاقة الحروب بالهيمنات الاقتصادية، بدءاً من ممرات الغاز، وليس انتهاء ببالتروي إلى "اقتصاد الحاجة" فضلاً عن الهدف الايديولوجي المدفوع إلى نزع أظافر القوى المقاومة، وتفريغ المنطقة من الأسلحة الوطنية، وهو ما جعل الكيان الصهيوني يقوم بقصف أكثر من 250 هدفاً عسكرياً سورياً، تم خلالها تدمير المطارات والطائرات والمختبرات، وصولاً إلى احتلال مناطق جديدة تحت يافطة إنشاء جغرافيا عازلة.
تداعيات هذا التحول السريع، ليست بعيدة عن الأجندة التي سيعمل على تنفيذها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والتي تحمل معها أهداف السيطرة على الممرات الستراتيجية، وعلى فرض سياسة التطبيع، وتحويل القوى السلفية العسكرية إلى أدوات في خدمة المشروع الأميركي، دون النظر إلى مرجعيات تلك القوى وتاريخها، وعلاقتها بالعنف الدولي، وعلى نحوٍ يفرض مسارات جديدة تقوم على سياسة الإخضاع والاحتواء، والهيمنة على صناعة القرار الجيوسياسي، والسيطرة على مصادر الطاقة والمياه، وصولاً إلى تحويل "التطبيع " إلى واقع قهري، و إلى فرضية لا تنفصل عن "إرادة القوة" التي تعمل الولايات المتحدة على تسويقها وتكريسها، وربما التمهيد من خلالها لصياغة عقد سياسي جديد، يجعل من أطروحة "تصفير حروب المنطقة" رهاناً على تكريس "الواقعية الصهيونية" العبثية والطاردة، إذ باتت تخلط من خلالها الأوراق والسياسات والجغرافيا بايديولوجيا العنصرية والصراعات المفتوحة على الأرض، وفي المصالح والمشاريع الأمنية، والهيمنات الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية.