ابراهيم العبادي
ستكون خطوة تيار الحكمة بانتهاج مسلك المعارضة البرلمانية، بداية التأسيس الرسمي لمشهد سياسي يتميز عن سابقه فرغم رمزية الخطوة وحجم التأويل المتناقض لاسبابها واهدافها، الا ان هناك رهانا واملا محدودا، بان تكون هذه الخطوة حافزا، لبقية الاحزاب والكتل السياسية العراقية، لبدء تنافس جدي لتقويم مواقفها وشعاراتها وتحسين ادائها، استجابة لضغط الشارع وقوة الاعلام ورسائل النجف الغاضبة، مازالت المسافة كبيرة بين احزاب العراق وكتله السياسية، وبين بلوغ مستوى من الاداء السياسي يمكنها من تحمل مسؤولية الاخفاق والتراجع حينما تصر على المشاركة في الحكومة أو المعارضة بمسؤولية والقيام بمهمة التقويم والمراقبة والتشخيص وفق الاليات الدستورية، ما جرى حتى الان، هو تنافس الاحزاب على المشاركة في الحكومة والسلطة بكل هيئاتها، واعتبار ذلك حقا واستحقاقا ومكسبا، وفي ذات الوقت التملص من المسؤولية والمسارعة الى الاعتراض والتبرؤ من افعال الحكومة ومشاكلها حين يسود الغضب الشعبي ويزداد الضغط الاعلامي، دوافع هذه الظاهرة كانت الرغبة العارمة في توظيف السلطة والاستفادة من غنائمها وامتيازاتها، والتمكن من اعادة توظيف المال لكسب محازبين جدد و(رشوة) المواطنين في ايام الانتخابات ، لاعادة انتاج السلطة وتعميق الحضور في الاجهزة والوزارات والادارات وكسب المزيد من المواقع (العميقة) داخل الدولة، هذا السلوك يفضح العلاقة الزبائنية بين الدولة والاحزاب ،ويكشف هزال الفكر السياسي وضعف البنية التنظيمية ووصولية الاساليب والاهداف الى جانب لاديمقراطية هذه الاحزاب ونزوعها الاستبدادي للتسلط على الناس باسم الديمقراطية و(احتلاب) الدولة، والاعتياش على ريعها المادي ورمزيتها السلطوية. يكفي ملاحظة هذا السلوك الحزبي الانتهازي في مراحل متعددة، المرحلة الاولى عبر محاولة تاكيد الحضور الجماهيري على المستوى المحلي في (المحافظات)، والمرحلة الثانية على المستوى الجمهوري، في الانتخابات العامة وما يليها من تشكيل الحكومات واقتسام السلطات وتوزيع مصادر الثروة والقوة بين الاحزاب ذاتها .
لقد كان سوء اداء مجالس المحافظات والمحافظين، وكثرة الصراعات والاستجوابات والاقالات والدعاوى المتناقضة لدى المحكمة الاتحادية ومحكمة القضاء الاداري ،مؤشرا واضحا على عدم نجاح اي حزب او تيار او كتلة ، في الارتقاء بفكرها وسلوكها الى مستوى نظائرها في بلدان العالم المختلفة، وظلت التجربة الحزبية عندنا - في ممارسة الحكم والادارة والسلطة المحلية - متخلفة وبائسة، كثيرة الفساد، بعيدة عن فلسفة العمل الحزبي في دولة ديمقراطية، لقد ظهرت هذه الاحزاب عارية امام جمهورها ومحازبيها قبل الجمهور العام، لكن العصبيات والولاءات الدينية والعشائرية والرشى المادية هي ما أتاح لهذه الاحزاب، البقاء لكي تخوض معارك الاستحواذ بيافطة ديمقراطية وبآليات تداول للسلطة ظاهرها سلمي ائتلافي غير عنيف، وباطنها صفقات ومساومات واتفاقات استرضائية ،ينسحب ذلك على المستوى الوطني في الدائرة الاوسع، بما جعل البلاد رهينة صراعات حزبية، تتمظهر طائفيا احيانا، وقوميا حينا اخر، وايديولوجيا في غالب الاحيان . تأخر استكمال الكابينة الحكومية، والصراع المستعر على الدرجات الخاصة والمدراء العامين هو المؤشر الاخطر على طبيعة البناء السلطوي الجاري في العراق، وهو بناء غير سليم كما هو معلوم، لم ينتج شيئا ذا قيمة، عدمي، لا يراكم منجزات ولا يحقق رضا الجمهور، ولم يبن الدولة كما هو مفترض حتى الان.
كي يتم تفكيك هذا التداخل المعقد والذي يزداد رسوخا كل يوم، لابد من استعارة اليات العمل الديمقراطي بجوهر حقيقي وليس بأشكال مشوهة، ان تعود الاحزاب تحسب حسابا لفكرها وايديولوجيتها ومواقعها وخطابها، ان تكون قادرة على تشخيص مواقع الخلل الحكومي والمجتمعي، وتطرح رؤاها لحلها، وان تختار مسلك العمل المناسب الذي يحقق لها النجاح وكسب قناعة ورضا الجمهور، خطوة الذهاب الى المعارضة، يجب ان تترسخ في كل مجلس من مجالس المحافظات، وداخل مجلس النواب، على الاحزاب والكتل ان تتمايز في سلوكها العام لتتمايز خطوط ورموز وشخوص العمل السياسي ، ولتتحقق لنا موالاة حقيقية أومعارضة جادة، وليس شركاء سلطة، يتخاصمون عند اول خلاف على حصة او موقع، حتى انتشر مرض الخلاف على السلطة والثروة في كل المؤسسات والبنى، فهو موجود داخل الكتلة الواحدة والحزب الواحد والجماعة الحرفية والفصيل المسلح
والنادي الرياضي.