ريسان الخزعلي
(1)
الأسماء الموصولة في اللغة العربية هي: الذي، التي، الأُلى، اللذين، اللذان، الّذين، اللاتي، اللواتي، اللائي. ومن بين هذه الأسماء التي لا يُشكّل آخرها ووزنها (فاعلن): الذي، التي. ومثل هذا الوزن (فاعلن) هو الأساس العروضي الخليلي في تفعيلات (البحر المتدارك). وهذا ما يجعلهما جاهزين للاستخدام في القصائد التي تُكتب على البحر المتدارك. كما يستخدمان أيضاً للتعريف إضافة إلى الوصل.
(2)
في الشعر العربي الحديث، كتب الشعراء بعض قصائدهم على البحر المتدارك، ولكن دون التزام شكل الخليل الرباعي (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) في الشطر الواحد، أي يتباين عدد التفعيلات بين شطر وآخر، وهو شكل شعر التفعيلة الذي أصبح بديل شكل الشعر الحر كتسميَه - أوجدتها أوّلا الشاعرة نازك الملائكة.
إنَّ أكثر الشعراء استخداماً للبحر المتدارك، هو الشاعر سعدي يوسف. ومَن يُطالع أعماله الشعرية الكاملة يستطيع أن يجد الكم الواضح من قصائد مكتوبة على هذا البحر. ونتيجة لهذا الاستخدام الواسع أشكل عليه (بعضهم) واصفاً هذه السعة بأنها ضِيق في إنصات الشاعر الموسيقي/ العروضي. ومثل هذا الوصف لا يصح إطلاقه، فالشاعر رغم هذه السعة (المتداركيّة)، إلّا أنّه كتب الكثير في بحور أخرى.
(3)
وللتطبيق الذي يوضّح طواعيَة استخدام إسميّ التوصيل (الذي – التي) في شعر سعدي يوسف طالما كان هو الأكثر استخداماً لبحر المتدارك الذي يتكرر فيه هذان الاسمان، ندرج هذه العيّنات من بعض قصائده في مجموعتيه (الليالي كلّها, ونهايات الشمال الأفريقي)، كأمثلة، وليس للحصر:
*أكتفي من مرايا الحدائق بالمرأة الناحلة
والغليل الذي كان عندي
والقليل الذي صار عندي
والحوار الذي يتجانس في امرأة ناحلة.
*حجر
للنبي الذي كان يلعبُ
أو للصبيِّ الذي كان يتعب.
حجر
للبلاد التي كرهتني.. حجر.
*الرياح التي لا تهب العشيّه
والرياح التي لا تهبُ الصباح
حمّلتني كتاب الغصون.
* هل تخطّى العراق الخوارج؟
هل أمسكت يدُها بالغصون التي شربت
خضرة الجرح حتى الثمر؟
وجهها كان بين الرخام
الصناعيّ والآسي،
بين يدي والسفر
في المساء الذي يتعب
في المساء الذي يلعب
في المساء الذي كان نصفين: بين أعالي الشجر
وظلام الحديقة.
* كنت منكشفاً للرصاص الذي جاءني
من وراء الفرات..
مرّةً، كنتُ مستسلماً لرفاقِ الطفولة
للعيون التي كنت أقرأُ في عمقها السر، والعمر
والسعفات النحيلة
للأكف التي كنت لاعبتُها
ورأيت العيون التي كنت أقرأُ، مغلقة عن سماء الطفولة.
( 4 )
إن الشاعر سعدي يوسف لا يُخفي انغماره في البحر المتدارك، ويحاول الإفلات من سطوته الإيقاعيّة . ففي قصيدته (الشارة) من ديوان (الأخضر بن يوسف ومشاغله) والتي كتب ثلثيّها الأولين على البحر المتدارك، إلّا أنّه في الثلث الأخير يعلو صوته متعجبا وكأنّه كان مختنقا به: ضيّق أيها المتداركْ!. وبعد هذه الصيحة ينتقل إلى بحر الوافر:
آه.. قف لحظة لي
كم وقفنا لأجلك.. نحن الذين رأيناك
في لحظة الروع أبهى.
(ضيّق أيّها المتدارك!)
أُكوّر من يديك حمامتين، وأطلق الدنيا وراءهما
- تعال تعال يا زمن الخنادق نحن نرجف في العراء.
- تعال يا زمن البنادق نحن نبكي طلقة حتى ولو صدئت.
في الانتقال إلى الوافر، غاب اسما الموصول (الذي والتي)، ولم تعُد لهما طواعية كتلك التي في البحر
المتدارك.