الحرب الرماديَّة

قضايا عربية ودولية 2024/12/18
...

علي حسن الفواز




وتدور الدوائر، فتفقد معها السياسة دورها في السيطرة على همجية الحرب، وإيقاف الوحشية الصهيونية في تحويل هذه الحرب إلى جنون مفتوح، فالهجمات الدامية في غزة تتواصل، والسياسة الدولية والعربية عاطلة، مثلما أن التمدد الصهيوني في سوريا يتواصل، وعبر  تسويغ أعذار تتكرس من خلالها نظريتها العدوانية، وتهديدها بتوسيع جغرافيا الحرب المدعومة من سياسات كبرى، والتي تكشف عن علاقتها بمشروع "التحولات الكبرى" التي ستشهدها المنطقة، على مستوى الاقتصاد والأمن الستراتيجي، أو على مستوى تفجير "حروب صغيرة" تقوم بتُغذيها جماعات التطرف والكراهية والأدلجات السلفية.

قد يكون تغيير الجغرافيا مدخلاً لهذه الحروب، ولتفجير الأوضاع الداخلية في مناطق محددة، وعلى نحوٍ يدفع باتجاه توريط هذه الجغرافيا بحرب الهويات،  وبفرض خطوط "تماس" جديدة وقاسية للمتحاربين، لكنها خاضعة إلى موجهات خارجية، وإلى صراع مفتوح، ليس داخل دول "الشرق الأوسط الافتراضي" فحسب، بل في داخل الدول الكبرى، لاسيما روسيا التي ستظل حرب أوكرانيا جرحها المفتوح في الخاصرة، وفي تهديد أمنها الداخلي والستراتيجي، فضلاً عن ما يلحق ذلك من سياسات طارئة قد تلجأ إليها بعض دول المنطقة مثل تركيا وإيران، لأن ما يجري يُهدد الجميع، وأن حروب الكيان الصهيوني على الجغرافيا هي مقدمة لحروب أكثر تعقيداً على الاقتصاد والأمن والمصالح والاستقلال.

كل هذا يجري والولايات المتحدة في طور الفرجة، وربما في انتظار الدور المناسب، لأن تقلبها في المواقف، وإجراءاتها في مجلس الأمن الدولي تضع علامات استفهام حول علاقتها بمستقبل المنطقة، وبالتحولات الستراتيجية التي قد تحدث فيها، وبطبائع حروبها المتوحشة، وبالاتجاه الذي سيجعل من مفهوم الصراع الدولي بين روسيا والغرب، وبين الغرب والصين، مكشوفاً على حسابات تتجاوز تاريخ الحرب الباردة، إلى ما يمكن تسميته بـ"الحرب الرمادية" حيث الغموض، والغرابة، وحيث يكون الصعود الايديولوجي لخطاب العنف السلفي تحت السيطرة، لأنه سيكون مصدراً للضغط، ولتهديد السلم الأهلي وإطروحات الأمن الثقافي لهذه الدولة أو تلك، وباتجاه إدخالها إلى متاهة تلك الحرب الرمادية، لتجد نفسها أمام خيارات معقدة، تحضر فيها المساومات السياسية والمصالح الكبرى، والتي قد تُفضي إلى تقسيم آخر للمنطقة يقطع الطريق على أي "ربيع عربي" آخر، مثلما سيجعل من جغرافيات السياسة والاقتصاد داخلة في لعبة الممرات الدولية للغاز والنفط والأسواق والثقافات الجديدة.