طه جزاع
منذ سبعة أشهر تقريباً توقفت رسائله وبطاقاته الملونة التي كان يرسلها بلا انقطاع لزملائه وأصدقائه الذين ينتمون إلى أجيال صحفية مختلفة، وكان محسن حسين وهو يحمل على كتفيه أثقال تسعين عاماً قضى سبعين منها في العمل الصحفي يتواصل مع الجميع بعد أن فارق على المرارةِ منزله البغدادي الأثير، واختار السكن في مدينة جبيل التاريخية القريبة من بيروت يتنقل بينها وبين دبي حيث يتفقد بين مدة وأخرى ولده وأحفاده الموزعين بين الإمارات وكندا. في زيارته الأخيرة لهم تموز الماضي تعرض لحادث سقوط في المنزل مما أدى لإصابته بكسر مفصلي، وبذلك توقفت رسائله وأخباره وقفشاته وتعليقاته وبطاقاته صباحاً ومساءً وأيام الجمع والأعياد والمناسبات، وانقطع بثَّه اليومي للأصدقاء والأحبة والأقرباء.
كان الرجل مولعاً بالأرقام والمناسبات المحلية والعالمية، الرسمية والشعبية، ولا تكاد صفحته في الفيسبوك تخلو من سطور ومعلومات مفيدة عنها، بل أنه يتذكر أيام ميلاد أصدقائه وزملائه واحداً واحداً وهم بالمئات فيبادرهم بالتهنئة، وينشر صورهم مزينة بعلامات وعبارات الميلاد المعتادة، وعندما يحين يوم الأول من تموز حيث تم تسجيل ملايين العراقيين من أجيال الخمسينيات وما قبلها في هذا اليوم ليكون يوماً موحداً لعيد ميلادهم الوهمي الذي وجدته دائرة الأحوال المدنية وهي تجري إحصاء57 حلاً معقولاً لتسجيل ممن لم تسجل مواليدهم ، فإن أبا علاء ابن المشخاب الوفي يجمع صور الأصدقاء والزملاء في مربع كبير ويقوم بتهنئتهم على وجبات من دون أن ينسى منهم أحداً. لكنهم الآن نسوه وهو قعيد الفراش في جبيل إلَّا القلة من الأوفياء.
قلبه مازال ينبض بالحنين لبيته الواسع في حي العدل الذي عاش فيه أربعين عاماً، قبل أن يضطر لبيعه لتنقطع بذلك علاقته المكانية بمدينته الحبيبة. أما الروح فما زالت تسكن الوطن.