بـغداد : رسل عقيل
تراث بغداد، يُعدُّ إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المدينة في تعزيز هويتها الثقافية، إذ يمثل ماضيها الغني والمتميز والذي يؤثر في حاضرها ومستقبلها. ومن أجل الحفاظ على هذا التراث وضمان استمراريته للأجيال القادمة، تُعدُّ "رقمَنة التراث" خطوة أساسية لحمايته، مما يتيح الحفاظ عليه في شكل رقمي يسهل الوصول إليه.
هذه العملية لا تقتصر فقط على حفظ التراث الثقافي، بل تُسهم في نشره وتوزيعه على نطاق واسع للجمهور المحلي والدولي، بما في ذلك الأجانب والعرب.
وفي هذا السياق، أشار رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في الهيئة العامة للآثار والتراب، علاء عبد العباس، إلى أن الرقمَنة تُعدُّ من المشاريع الحيوية في حماية الهوية الثقافية.
وأضاف في حديثه لـ"الصباح" أن الهيئة تمتلك قاعدة بيانات شاملة بشأن أرشفة البيوت والمواقع التراثية في بغداد وبقية المحافظات، موضحاً أن الهيئة اعتمدت بشكل كامل على الملاكات العراقية في هذا المجال، إذ تم توثيق كل ما يتعلق بالتراث بيد متخصصين من دائرة التراث.
وأشار عبد العباس إلى دور اليونسكو في مجال صيانة الآثار، وتقديمها دعماً كبيراً في صيانة البيوت التراثية، لاسيما في الموصل والبصرة.
• البيوت التراثية
في ما يخص إحصائيات البيوت التراثية، أفصح مدير عام العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، المهندس محمد الربيعي، عن وجود ما بين (2000 – 2400) دار، وقال لـ"الصباح": إن غالبية هذه البيوت ما زالت مشغولة، في حين أن الجزء الآخر يعود إلى فترة قديمة، تتراوح أعمارها بين (50 و100) عام.
وأضاف الربيعي لـ"الصباح" أن النُصب والتماثيل والجداريات التي تزيِّن المدينة تمثل حوالي 150 عملاً فنياً، وتشمل مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية التي تتراوح بين البرونز والفسيفساء، مما يعكس ثراء بغداد الثقافي والفني.
وأشار الربيعي إلى أنه تم إطلاق برنامج خاص بالنُصب والتماثيل في "يوم بغداد"، وبدأت برقمَنة جدارية نصب الحرية للفنان جواد سليم، مع وضع قصة حياته بشكل مفصل، يمكن للزوار الآن من خلال الدخول على الكود الخاص بهذه اللوحة أن يستظهروا معلومات كاملة عنها بثلاث لغات هي: العربية، الكردية، والإنكليزية.
ونوه بأن هذا المشروع يمثل رؤية جديدة لبغداد، وهو جزء من الخطة الخاصة بمشروع "عاصمة السياحة العربية"، مؤكداً أن جميع النُصب والتماثيل الموجودة في بغداد ستخضع لعملية مماثلة، حيث سيتم إنشاء كود خاص لكل تمثال ونصب للتعرف على تفاصيله بشكل كامل.
• السياحة والرقمَنة
بدوره، ذكر نقيب السياحيين الدكتور محمد عودة العبيدي، أن التحول الرقمي في النشاط التراثي يُعدُّ توجهاً مهماً في مجال السياحة، لأنه سيُسهم في استقطاب سائحين من مختلف دول العالم للاطلاع على التراث وترويجه أيضاً في بلادهم، سواء من العرب أو من دول العالم المختلفة. وأكد أن هذه العملية تتطلب تصميم برامج سياحية رقمية وفق استراتيجيات معينة، وكذلك إدارة وتمويل هذا المشروع الحيوي.
وأكد في حديثه لـ"الصباح"، أن السائح اليوم ينظر إلى المؤسسات الخاصة بالقطاع السياحي التي تمارس هذا النوع من الفعاليات للتراث والآثار، ويطلب منها تقديم المزيد من البيانات والتكنولوجيا وتوفير الكثير من المعلومات عن المواقع التي تمتلكها، الأمر الذي سيخلق تحدياً، لذلك على جميع المؤسسات والمنظمات التفاعل مع جميع الوسائل التكنولوجية الحديثة من خلال استخدامها وتثقيف عامليها.
• الاهتمام بقطّاع السياحة
مشروع رقمَنة التراث بشكل عام هو عملية ضخمة تتطلب تضافر جهود المنظمات والمؤسسات والجهات المعنية المحلية والدولية كافة، وفقا لما أدلى به الخبير السياحي أحمد عودة، مؤكداً لـ"الصباح" أنه إذا تم العمل بجدية على هذا المشروع، فإنه سيحقق طفرة نوعية للتراث والثقافة والسياحة في العراق.
وتابع عودة أن المشروع سيوفر أيضاً مردودات مالية جيدة للمتاحف من السائحين المحليين والأجانب، فضلاً عن توفير فرص عمل جديدة للعاملين في هذا القطاع التكنولوجي إضافة إلى القطاع السياحي.
وأشار في حديثه إلى أن الحكومة بدأت اليوم تهتم بالجانب السياحي، وهناك خطوات ملموسة لدعم هذا القطاع، لا سيما في ما رأيناه من احتفال في "يوم بغداد" ودعم مشروع "بغداد عاصمة السياحة العربية" لعام 2024.