أردوغان خسارة معركة وخسارة الحرب

آراء 2019/07/01
...

حازم مبيضين
 
كما كان مُتوقعاً، خسر حصان أردوغان في الوصول فائزاً إلى خط النهاية، فقد سبقه أكرم إمام أوغلو وبفارق مهول هذه المرة، ما عكس حجم السُخط الشعبي من محاولات السُلطة الأردوغانية الانقلاب على الديموقراطية ومحاولة الفوز ولو تزويراً وترهيباً برئاسة بلدية المدينة. وقياساً على مقولة أردوغان “مَن يظفَر بأسطنبول، فإنه سيظفَر بتركيا كلها”، يمكن القول إن مَن يخسرها سيخسر تركيا بأكملها، وهي النتيجة التي بدأت تُلقي بظلالها عليه، بعد الهزيمة المُدوية التي ألحقها جمهور المدينة بمرشح اردوغان بن علي يلدرم، الذي بات من الماضي سياسيا، بعد احتراق “ورقته” التي أصرّ الزعيم التركي المراهنة عليها.
اليوم يبدو أنَّ تراجع الليرة والصراع مع أميركا حول التسليح الروسي تصب في خانة بداية انهيار مشروع الاخوان الذي تبنته تركيا. وقريباً نهاية حلم عودة الوهم العثماني، فقد دخل السلطان الواهم في لعبة مغلقة لا مناص من فقدانها في كلتا الحالات. فالعالم لم يعد يقبل اللعبة المزدوجة والبهلونات السياسية التي كانت سائدة سابقا. كانت نتائج انتخابات بلدية اسطنبول ضربة قوية للرئيس التركي، إذ فقد جزءاً كبيراً من سيطرته في أكبر مدينة تركية. وخسارة إسطنبول، تضعف موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم في الوصول إلى مصدر رئيس للدعم. ونتيجة الانتخابات ربما تؤدي إلى تراجع الدعم من قاعدة الناخبين لأردوغان، وأن الحزب الذي أسسه وبناه أردوغان قد يتعثر من دونه، وأن النتيجة الموجعة قد تكون إشارة إلى بداية النهاية لأردوغان. فخسارة إسطنبول تعني أكثر بكثير من مجرد خسارة السيطرة على أكبر مدينة في تركيا ومركز الثقل الاقتصادي بها. وتلقي أردوغان هزيمة انتخابية في أكبر مدينة بتركيا يأتي في خضم مشاكل اقتصادية متزايدة تمر بها البلاد. وإذ يتهرب أردوغان باعلانه أنه سيمضي إلى متابعة القضايا الأكثر أهمية مثل العقوبات التي تهدد الولايات المتحدة بفرضها على خلفية شراء تركيا لأنظمة دفاع صاروخي روسية، قبيل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قمة العشرين. فإنَّ الواقع يقول إنه لا يوجد أمامه خيار إلا سرعة بحث التيارات الكامنة وراء الهزيمة الموجعة في انتخابات إسطنبول، التي تسببت في حالة من القلق داخل حزب العدالة والتنمية وشجعت خصومه المبتهجين. فقد تحول إمام أوغلو إلى قائد وطني ملهم، وأمام أردوغان مهمة صعبة لتحييده دون تحويله إلى شهيد والتسبب عن غير قصد في زيادة شعبيته. وهو اكتسب شهرة من حرمانه من الفوز في المرة الأولى بعد أن كان مغموراً، وأدى ذلك إلى جعل أردوغان في موقف دفاعي للمرة الأولى، ما يعني أن نخبة حزب العدالة والتنمية ستسعى على الأرجح لتقليل أهمية الانتخابات والتصرف كأنها ليست 
بالأمر المهم. 
بات واضحا أن المعارضة التركية وجهت ضربة قوية لأردوغان باقتناص رئاسة بلدية إسطنبول، لتكسر هالة الزعيم الذي لا يُقهر وتنقل رسالة من الناخبين غير الراضين عن سياساته. وانتزعت نتائج إعادة الانتخابات السيطرة على أكبر مدينة في تركيا من أردوغان كما وضعت نهاية لهيمنة حزبه، التي دامت 25 عامًا في إسطنبول. وأكد المعارضون أن مثل هذه الخسارة تقلص من نفوذ أردوغان، وفضح فوز أوغلو تآكل شعبية حزب العدالة والتنمية بفعل الركود الاقتصادي والأزمة المالية كما أثارت سيطرة أردوغان الأكثر إحكاماً على السلطة قلق بعض الناخبين. وستفتح النتائج على الأرجح فصلاً جديداً في السياسة التركية، إذ تسيطر المعارضة الآن على أكبر ثلاث مدن في البلاد وقد تؤدي إلى حدوث تصدعات داخل حزب العدالة والتنمية.
يمكن اعتبار هذه النتيجة منعطفاً سياسياً كبيراً ويكتسي طابعاً رمزياً استثنائياً بالنظر إلى أنَّ الحزب الحاكم احتفظ برئاسة هذه البلدية طوال ربع قرن، وأن أردوغان نفسه كان رئيس البلدية في سنة 1994، كما أن مرشح الحزب الخاسر لم يكن شخصية عادية بل كان رئيساً سابقاً للبرلمان وللحزب وللوزراء، وهو أحد المقربين من رئيس الجمهورية. ورغم أن العدالة والتنمية يسيطر على غالبية مريحة على نطاق مجموع البلديات في تركيا، إلا أن فوز المعارضة في مدينة اسطنبول يعدّ خسارة فادحة تضاف إلى خسائر الحزب في إزمير والعاصمة 
أنقرة.
ثمة ملاحظة مهمة تتمثل في أنَّ الديمقراطية التركية هي التي كانت الفائز الأكبر بموجب هذه النتيجة، فقد عبر ملايين المواطنين الناخبين في اسطنبول عن درجة عالية من الوعي، وأقبلوا مجدداً على صناديق الاقتراع ومارسوا حقهم السياسي والدستوري بطريقة مسؤولة وخالية من مظاهر التعصب أو العنف. متحدين رئيسهم الذي أراد غير ما أرادوا. ولئن كان الفارق ضئيلاً في نتائج الانتخابات الملغاة، فإن الفارق قارب العشر نقاط في الإعادة، ما يضع أردوغان وحزبه في موقع الهزيمة المُضاعفة. فلو أن الرئيس التركي تقبل النتيجة بروح رياضية ولم يعمد إلى تسخير أجهزة حُكمه العميقة واستخباراته السرية للدفع في اتجاه إبطال نتائج انتخابات بلدية إسطنبول التي أجريت في آذار الماضي، واتخاذه قراراً بإعادتها، لكان موقفه أقوى وجديراً بالاحترام، على عكس موقفه الضعيف والمُهلهل مع هذه الهزيمة الثقيلة بل المُرة، ولمرتين متتاليتين، والتي تمثل إيذاناً بدخول الفاشية الأردوغانية طور النكوص والتقهقر والأفول. فليس سراً أن إسطنبول هي المحك والمُفتاح لبوابة حُكم تركيا، هذه الحقيقة التي لطالما رددها أردوغان 
بذاته.
أربعة أعوام تفصلنا عن العام 2023، وهو العام الذي سيشهد انتخابات رئاسية، خصوصاً انه العام الذي تحلّ فيه الذكرى المئوية لقيام جمهورية اتاتورك على أنقاض دولة الخلافة، وهو العام الذي قد يكون فيه أكرم امام اوغلو رئيس بلدية اسطنبول، الذي استعاد مقعده هو الذي يقف في مواجهة اردوغان مرشحاً عن أحزاب المعارضة لرئاسة الجمهورية. واذا ما سارت امور المعارضة كما حالها في مواجهة مرشح اردوغان (يلدرم)، فإنَّ هزيمة أخرى ستلحق بالرئيس التركي الذي سيكون قد مضى على وجوده في مقدمة المشهد التركي (20) عاماً.