قبر باسم

الصفحة الاخيرة 2024/12/22
...

محمد غازي الأخرس

في مقالة سابقة، تذكرت المقابر الجماعية في السماوة، وتحدثت عن فيلم وثائقي صنعته قبل عشرين عاماً عن تلك المقابر. اليوم أتوقف عند شهادات سمعتها من ذوي الضحايا آنذاك. نعم، فصاحبكم مثل "المعيدي يجيب ضيجة الخلك لنفسه"، وهو طبع عُرف به أغلب العراقيين، بدليل توثيقهم أحزانهم المهولة في مراث لا نمل من قرائتها. ما جرى أنني طلبت من دليلي إلى المقابر أن يحضر عددا من ذوي الضحايا لتوثيق شهاداتهم. في اليوم التالي، فوجئت بقاعة الفندق وهي تزدحم بهم. كانوا عبارة عن دفاتر أحزان مفتوحة، ورووا لي حكايات مريرة نغصت عليّ صباحي. أحد الضحايا اسمه باسم، روت أمه أنّ شرطياً من معارفهم أبلغها بأنّ "الرفاق" قتلوه ودفنوه خلف مركز شرطة (الخنّاق) في السماوة. جرى الأمر أثناء قمع انتفاضة آذار عام 1991. تقول تلك المرأة المحطمة إنّهم، طوال التسعينيات، كانوا يرون مكان دفن ابنهم دون أن يستطيعوا فعل شيء. تقول: "نتعدى عليه وما نكدر نشيله، نخاف لأننا مهددين.. كلساع يجون يخضونه الأمن والحزب.. والله حتّى الأغراض بعناهن وانطينه فلوسهن للواسطة حتى لا ياخذون الشايب ويكتلوه". بقي الأمر كذلك حتى سقوط نظام صدام، فاستطاعوا إخراجه من قبره: "جابوا الشفلات.. وحفروا، بس من الهدوم اللابسهن عرفناه.. بنطرون كوباي وقمصلة كوباي.. والجمجمة مالت راسه والعظام.. آنه عندي جلطة ما جابوه لياه.. جابولي بس الهدوم مالاته كالولي حتى تأيسين.. حتى الحزام ما فاتحه.. حطينه هذا العظم يم هذا العظم.. بس باقيات له شعرات براسه.. وهو أبو زلف ذاك الولد.. ما جبت صورته وياي وتشوفه.. شحصلنه هاي قسمتنه من الله". 

يا إلهي على ذلك المصباح التعيس!