ديان كول
ترجمة: كريمة عبد النبي
يستضيف المتحف الفني التابع لمكتبة هنتنغتون خارج مدينة لوس أنجلوس معرضاً فنياً لأعمال فنيّة وأدبيّة تعود للقرن التاسع عشر، المعرض قدم أعمالا فنية لنحو 1500 فنان وكاتب ومفكر وشاعر عكست تحذيرات من أزمة مناخ مستقبليَّة.
تساعد الأعمال المعروضة على تتبع بداية الثورة الصناعية علميا وتاريخيا وفنيا. ويعد الرسام الأميركي-البريطاني توماس كول (1801 - 1848) أول شاهد عيان على تغير شكل السماء الصافية والمناظر الطبيعية في المناطق الريفية. فخلال العام 1839 قام الرسام برحلة إلى نهر جنيسي على ضفاف مدينة نيويورك لتوثيق المناظر والمنحدرات الصخرية وأوراق الأشجار المحيطة بمنطقة منبع هذا النهر.
كانت مهمته رسم لوحة زيتيَّة تصور منظرا في منطقة مصب النهر المذكور الذي يمكن أن يتعرض لأضرار نتيجة أعمال البناء المستقبليّة الموضوعة لغرض انشاء قناة جديدة مكان القناة القديمة التي تم إنشاؤها سنة 1825.
رسم كول، الذي كان معروفا بتقديم لوحات المناظر الطبيعية الضخمة، لوحة كبيرة الحجم تمثل منظرا طبيعيا بطول سبعة أقدام وعرض خمسة أقدام. تصور أوراق الأشجار النابضة بالحياة والشلالات الجارية في المضيق. لكن هذا المنظر لم يكن جنّة عدنٍ، فعلى جانب واحد من أعلى القمة الصخريّة للمضيق يظهر منزل هو عبارة عن كوخ صغير، ومن الجانب المقابل وعلى مستوى منخفض تصور اللوحة مجمعا سكنيا لعمال
القناة.
ويعكس كول في معظم لوحاته للمناظر الطبيعية تحذيرات من المسار المدمر للحضارة الإنسانيّة، حيث تقدم لوحاته التي تتناول المناظر الطبيعية إشارات إلى الضرر الذي لحق وسيلحق بالطبيعة بسبب انتشار الثورة الصناعية مما ينذر بكارثة قد تكون
وشيكة.
وقد أطلق هذا الفنان، من خلال لوحة أخرى تمثل منظرا طبيعيا، تحذيرات من التأثير المستمر للثورة الصناعية على الطبيعة، حيث ظهرت تحذيراته على شكل غيوم سوداء تشكل حركة مضطربة فوق مضيق، فيما يصور عددا من الأشجار الميتة عند أسفل المضيق، ووسط هذا المنظر يظهر كول في اللوحة وكأنه يراقب الأضرار التي لحقت بالطبيعة نتيجة الثورة الصناعية. وتمثل رؤية كول هذه واحدة من 200 عمل فني تقريبا في هذا المعرض بضمنها اللوحات، والرسوم التوضيحية، والكتب النادرة، والصور والمخطوطات التي توثق كيف تغيرت السماء الصافية والطبيعة الخلابة بفعل الثورة الصناعية.
ويحتل هذا الرسام مكانة مهمة في تاريخ الفنّ في بلاده لدوره الكبير بتأسيس مدرسة نهر هدسون، وهي حركة فنيّة تتمحور حول رسم المناظر الطبيعية الأميركية خلال القرن التاسع عشر. وتميزت معظم أعماله بالواقعيّة والجودة والاحساس العالي بالطبيعة الإلهية.
ومن بين الفنانين الذين حذروا من أزمة المناخ أيضا، الرسام فيليب لوثربورغ (1740 - 1812) إذ صورت لوحاته كيفية تحول المناطق الزراعية إلى مواقع صناعية. فمن خلال واحدة من لوحاته التي أنجزها عام 1802، عكس الفنان مخاوفه الكبيرة تجاه
ذلك.
كما وشارك عدد من العلماء عبر مراقبة وتوثيق التغيرات الحاصلة للغلاف الجوي والطقس. ففي عام 1833 نشر الكيميائي وعالم الإرصاد البريطاني لوك هوارد (1772 - 1864) دراسة من 700 صفحة بعنوان "مناخ لندن" تناول فيها قراءة لدرجات الحرارة في لندن لفترة عقود من الزمن، بالإضافة إلى تساقط الأمطار، اتجاهات الرياح ومستويات المياه. وقد توصل المؤلف إلى وجود تأثير ما أسماه "جزيرة حرارية" على الأماكن الحضرية. وتشير نتائج الدراسة إلى أن "بسبب أعمال البناء والطرق والبنية التحتية الأخرى في المناطق الحضرية التي ساهمت بانبعاث حرارة الشمس، أصبحت المدن تعاني من درجات حرارة أعلى من المناطق النامية الأخرى التي تمتلك مناطق خضراء ومساحات مائية". وأشار هوارد إلى أن مثل هذه التغيّرات في درجات الحرارة تتزامن مع ظاهرة أسماها "ضباب المدينة" الذي يطلق عليه اليوم "تلوَّث
الهواء".
أيضا حذرت أعمال الرسام البريطاني جون كونستابل (1776-1837) وهو من اتباع الحركة الطبيعيه، وتصور لوحته الشهيرة "نهر ستور بالقرب من وادي ديدهام" التي رسمها سنة 1822. منظرا طبيعيا لنهر ستور تحيط به المناطق الخضراء ويظهر وسط اللوحة جسر خشبي وبرج كنيسة منطقة ديدهام.
ومن الأعمال المشاركة لوحة "عاصفة غيوم القرن التاسع عشر" للرسام والناقد جون روسكين (1819-1900) وهي عبارة عن منظر طبيعي يعلو سماءه دخان داكن. وقد كرر الفنان اطلاق نفس عنوان اللوحة على محاضرتين عامتين ألقاهما سنة 1884 ليتردد صدى كلماته مرة أخرى خلال هذا المعرض.
كما وسلط المعرض الضوء على عدد من الدراسات والكتابات التي قدمها علماء وكتاب وشعراء من القرن التاسع عشر، والتي تناولت تحذيرات من أزمة مناخ مقبلة على العالم، منها لإيونيس نيوتن (1819 - 1888) التي نشرتها المجلة الأمريكية للعلوم والفنون عام 1856 بعنوان "الظروف التي أثرت في ارتفاع درجات الحرارة". والدراسة هذه هي الأولى من نوعها التي تشير إلى تجربة تم إجراؤها آنذاك حول تأثير الأوكسجين على تغير المناخ. وعلى الأغلب تم التغاضي عن هذه الدراسة، وبدلا من ذلك تم اعتماد نتائج توصلت اليها دراسة قام بها الفيزيائي البريطاني جون تيندال (1820-1883) التي نشرها بعد ثلاث سنوات من دراسة إيونيس نيوتن. ولم يتضح فيما اذا كان تيندال قد إطلع على دراسة نيوتن
أم لا.
أما ميليندا ماكوردي التي شاركت بتنظيم هذا المعرض فقد علقت: "لا نقول بأن تغير المناخ قد تم التحذير منه خلال القرن التاسع عشر، ولكن يمكن القول إن الناس بدؤوا يدركون أن الثورة الصناعية والأعمال البشرية عملت على تغير المناخ"
ولم يقتصر التحذير من أزمة المناخ على الرسامين والكتّاب، بل وصل إلى الشعراء حيث أشار الشاعر وليم وورلدزوورث عبر بعض أشعاره المعروضة حاليا في المعرض محل البحث إلى تزامن الأضرار التي أصابت البيئة مع الثورة الصناعيّة.
عن موقع (بي بي سي) البريطاني