علي حسن الفواز
يثير الحديث عن "الشرق الأوسط الجديد" سجالاً مفتوحاً وشائكاً عن علاقته بالديمقراطية، وبالحقوق الحريات المدنية، وعن المدى الذي سيتيح للجماعات والمكونات، وحتى للأقليات بتوصيف الأمم المتحدة أن تتمتع بتلك الديمقراطية من دون ضغوط أو تعسُّف وإكراه.
ما يجري في العالم من تغيرات وصدمات يكشف عن معطيات صادمة، وعن مفارقات في توصيف المفاهيم والأفكار، وفي النظر إلى الوقائع القهرية للسياسة، وإلى ما يجري فيها من صراعات، ومن ديمقراطيات معطوبة يصعب الاطمئنان إلى إجراءاتها وتناشزها، فعبر حديث الشرق يصعد غرب آخر، وتبرز سياسات غرائبية تتجاوز تاريخ الأنوار والتنوير والحداثة، وتعيد إلى الأذهان الأطروحات الفلسفية العنصرية عن "نهاية التاريخ" و"صراع الحضارات" و"الهويات القاتلة" والتي وضعها فوكوياما وهنتغتون وأمين معلوف في سياق تضخُّم ظاهرة الغرب السياسي بليبراليته الجديدة وأسواقه وأسلحته المرعبة، مقابل انحسار الغرب الثقافي إلى جماعات مدنية محدودة، وإلى بقايا "يسار" بارد، لا ترحمه حتى الديمقراطية الغربية ذاتها.
الانحياز إلى العنف السياسي والايديولوجي يسانده صعود يميني له عقده التاريخية والثقافية، فينفتح الباب على مصراعيه لممارسات عنصرية وشعبوية، تنطلق من سياسات وأوهام، غايتها تقويض الآخر والتعالي عليه، وفرض مركزية الغرب على العالم، وكأن هناك دكتاتوريات "دولية" تقف وراءها، وتوجهات غامضة تدعم صناعة دكتاتوريات اقليمية، تتكىء على أدلجات عنفية، وعلى مرجعيات لا رائحة للديمقراطية في ثياب طباخيها، ولعل ما يجري في "المنطقة العربية" من تحولات صادمة، يفضح هذا ستراتيجات الرعب الدولي، ويعرّي السياسات التي تقف خلف الكيان الصهيوني في عدوانه الوحشي، وفي مشاركته بصياغة مفهوم الشرق الأوسط الجديد، حتى يبدو وكأنه "عتبة" لإكراهات التطبيع، والإخضاع، وإخراج هذا الشرق من تاريخه السحري، ومن ذاكرته الحضارية ليظل جزءاً من سياسات الاستشراق، ومن جغرافيا العزلة والنسيان والحروب الصغيرة، وتحت سطوة التهديد الدائم بالعنف والمروق والعقوبات الدولية.
إن تفكيك الديمقراطية وتعطيبها هو أخطر ما يهدد العالم، من خلال تدويل المركزية الغربية وفرض سياسات الهيمنة، وتحويل مفهوم الحق بالحياة والحرية إلى نوع من الاستلاب والخضوع، مع تشويه الحق بالمقاومة، وتوصيفه بالموقف العدائي ضد السلم العالمي، وتحت أغطية دولية تسوِّغ للكيان الصهيوني سياساته وعدوانه، وفرضيته في الدفاع عن نفسه، وصناعة الحدود الوقائية لكيانه، مقابل اتهام الآخرين بالقتل العمد وبالتمرد على الإرادة الدولية، والتفرُّج على المذابح والجرائم من دون أي رادع حقيقي يقطع الطريق على سياسة الحرب المفتوحة، والديمقراطية المذبوحة.