عبدالله الميّالي
صدر كتاب "منهج كتابة التاريخ الإسلامي عند طه حسين" للدكتور باقر محمد جعفر الكرباسي، عن دار العارف للمطبوعات في بيروت، ويقع في 256 صفحة.
والكتاب هو بحث ممتع ورصين، وسياحة فكرية وأدبية مع طه حسين بعيون الآخرين من المفكرين والأكاديميين والنقاد العرب الذين اجتمعوا على مائدة هذا الكتاب.
وبحسب الكرباسي، فإن الهدف من كتابه هذا (محاولة لإدراك الفكر التاريخي عند طه حسين وكيف كان يكتب
التاريخ؟).
يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، حيث تناول الباحث في الفصل الأول، السيرة الذاتية لطه حسين، منذ ولادته في عام 1889 بقرية "عزبة الكيلو" في محافظة المنيا، وحادثة فقد بصره وهو في السادسة من عمره، والحديث عن والده وأسرته، والتحاقه بحلقات الدرس في جامع الأزهر لمدة ثماني سنوات، وخروجه منه بعد خلافات مع بعض شيوخه، ثم التحاقه بالدراسة الأكاديمية المتمثلة بالجامعة المصرية الأهلية وهي الدراسة التي تتماشى مع رغبات طه حسين بالتجديد. وعرّج الباحث في هذا الفصل على أساتذة طه حسين من المصريين والمستشرقين، وحصوله على أول لقب دكتوراه في تاريخ مصر في عام 1914 عن رسالته "في أبي العلاء" التي نالت درجة جيد جداً، ومن ثم شدّ الرحال إلى فرنسا لمواصلة دراسته ليحصل على شهادة دكتوراه ثانية عن "ابن خلدون"، وعودته إلى مصر ليعمل أستاذاً في الجامعة التي تخرج منها طالباً، ولتبدأ رحلة المتاعب مع التأليف بإصدار كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" في عام 1926، ليعود ويستبدل عنوانه إلى "في الأدب الجاهلي" عام 1927، وينتهي هذا الفصل بوفاة طه حسين عام 1973 في وقت كان العالم مشغولاً بأنباء حرب أكتوبر 1973.
وتناول الباحث في الفصل الثاني مؤلفات طه حسين، حيث رصد الباحث مؤلفاته المختلفة في الأدب والنقد، والقصص والروايات، والاجتماع، والتاريخ الإسلامي، والدراسات والتلخيصات، والمؤلفات المشتركة، والمترجمات، وغيرها من دراسات وبحوث أخرى. وأهم ما رصده الباحث من مؤلفات طه حسين: (ذكرى أبي العلاء، حديث الأربعاء، في الشعر الجاهلي، حافظ وشوقي، ألوان، من حديث الشعر والنثر، مع المتنبي، فصول في الأدب والنقد، صوت أبي العلاء، بَيْن بَيْن، خصام ونقد، من أدبنا المعاصر، أحاديث، خواطر في الأدب والنقد، الأيام، دعاء الكروان، أديب، الحب الضائع، أحلام شهرزاد، شجرة البؤس، المعذبون في الأرض، مع أبي العلاء في سجنه، جنة الشوك، مرآة الضمير الحديث، جنة الحيوان، من الشعر التمثيلي عند اليونان، في الصيف، من بعيد، من لغو الصيف إلى جدِّ الشتاء، صوت باريس، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، قادة الفكر، على هامش السيرة، الفتنة الكبرى في جزأين، الوعد الحق، مرآة الإسلام، الشيخان)، فضلاً عن كتب مشتركة مع آخرين، وترجمة لعدد من المؤلفات الأجنبية، ومقدمات لعدد من البحوث.
بينما تناول الباحث في الفصل الثالث الرؤية التاريخية عند طه حسين. ويرى الباحث الكرباسي أن نظرة طه حسين إلى التاريخ كانت ترفعه إلى مصاف العلوم. وبناءً على ذلك فعلم التاريخ عنده لا يهدف إلا إلى المعرفة الخالصة المنشودة لذاتها المجردة من كل الأغراض والمنافع. فالمؤرخ يجب أن يكون حيادياً في أحكامه. ويرى الباحث أن حسين وقف من فلسفة التاريخ موقفاً واضحاً صريحاً، ورأى فيها عملاً فلسفياً لا صلة له بالبحث التاريخي، فالفلسفة غير التاريخ ولكل منهما طبيعته الخاصة ومنهجه الخاص.
ويرى أن أهم سمات المنهج التاريخي عند طه حسين (اعتماد الشك)، فالشك عنده منطلق البحث في كل مسألة من مسائل التاريخ، حيث يقدم الشك على الجزم حين يتناول مسألة ما في أي بحث. وقد اعتمد منهج الشك تأثراً بديكارت وابن خلدون. ويرى الباحث أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة اعتمدها في تفسير التاريخ: العقيدة، والعصبية،
والاقتصاد.
أما الفصل الرابع فقد تناول الباحث فيه موارد طه حسين، حيث رصد أهم المصادر والمراجع العربية والغربية التي اعتمدها في مؤلفاته وبحوثه ودراساته المختلفة. ويرى الباحث أن اعتماد طه حسين على المصادر الغربية كان قليلاً مقابل ما اعتمده من مصادر عربية، رغم ثقافته الغربية المتينة، وأنه كان يهاجم المستشرقين ويحكم عليهم بقسوة رغم تأثره بهم من جهة مناهجهم.
كما يرى الكرباسي أن مظاهر التحليل للنصوص التاريخية عند طه حسين اعتمدت على ثلاثة مظاهر: (التأمل، التدبر، التعليل).
ففي ما يتعلق بـ (التأمل) كشف الباحث أن كتابة التاريخ عند طه حسين تنزع منزعاً تأملياً لافتاً للانتباه، أي إن طه حسين يستعرض مسألة أو جملة مسائل نظر إليها من جوانبها المختلفة متأملاً فيها متفحصاً إياها ومستخلصاً منها ما يمكن استخلاصه.
أما في ما يتعلق بـ (التدبر) فيجده الباحث أنه شكل من أشكال التأمل ولكنه مخصوص بالقرآن. وقد مارس طه حسين أسلوب التدبر في كتابه (الوعد الحق) وكذلك برّزه في كتابه (مرآة الإسلام) بروزاً واضحاً، فيدعو إلى قراءة القرآن قراءة المتدبر.
أما ثالث مظاهر التحليل وهو (التعليل) فيرى الكرباسي أن طه حسين يعرض الظواهر ويتخذ لنفسه موقفاً مؤيداً أو رافضاً ثم يبين علّة التأييد أو الرفض، وكذلك يقرن الأسلوب التحليلي عند طه حسين بالجدل والاحتجاج.
وعن موقف طه حسين من الرواية والرواة، يرى الكرباسي أنه حصيلة تأثيرات المدرسة الإسلامية العقلية في التاريخ ممثلة في ابن خلدون ومحمد عبدة، والمدرسة الغربية الوضعية في التاريخ المتمثلة بسينوبوس، وقد تعاضدت كلها مع ما كان يملكه طه حسين من حسٍّ
نقدي.