محمد جلال الصائغ
الموت ومحاولة الهرب منه هي الثيمة الرئيسة التي اعتمدها أشرف الخمايسي في نسج روايته "منافي الرب".
الرواية مكتنزة بجمال السرد والتأمل العميق في الموت والحياة، وفي معنى الوجود الإنساني، وهي مليئة بالتفاصيل والتحديات الفكرية التي يواجهها الإنسان. وتدور أحداثها حول "حجيزي" حفار قبور قارب المئة عام من عمره، وهو يعيش في قرية مصرية نائية.
وعلى الرغم من إدراك "حجيزي" أن الموت نهاية حتمية للوجود، لكنه يحاول التمرد عليه ويعتقد أن تخلص الإنسان من القبور هي الطريقة المثلى. لذلك ينسحب الأموات من ذاكرة الأحياء عبر دفنهم، فيعمد البطل إلى التخلي عن مهنته ويعيش هارباً من هذه الحقيقة الوجودية. وهنا تتشابك شخصيته مع غيره عبر حوارات ساخنة وساخرة تطرح وجهات نظر مختلفة عن الحياة والموت.
الموت الذي يمتد خلال الرواية ليس حدثاً بايولوجياً فقط، بل مركز للتأمل الفلسفي. إذ يطرح حجيزي أسئلته عن سبب وجود الموت والكيفية التي تمكن الإنسان من أن يتصالح مع هذه الفكرة. فإذا كان الموت أمراً محتوماً والخلود فكرة غير قابلة للتطبيق، فإن بقاء الإنسان في ذاكرة الأحياء هو نوع من الخلود وإن كان روحياً فقط. تتناول الرواية أيضاً صراع شخصياتها مع فكرة الإيمان والقدر، وقدرة الإيمان على منح الطمأنينة أمام فعل الفناء. وفي مواجهة التركيز على الموت الذي تقوم عليه الرواية هناك محور آخر يدور حول الحياة، وإمكانية أن يعيش الإنسان حياة ذات مغزى رغم وعيه بحتمية النهاية، لذا تسلط الرواية الضوء على أهمية الذاكرة والحب والعلاقات الإنسانية كعوامل تمنح الحياة معناها الحقيقي. وفي مواجهة حجيزي وتمرده على الموت ومحاولاته لفهم معنى الوجود، هناك شخصيات سردية عكست كل منها رؤية مختلفة عن الحياة والموت، الأمر الذي خلق توازنًا بين فلسفة البطل حجيزي ورؤى أخرى كانت أكثر بساطة أو استسلاماً لمصيرها.
وعلى الرغم من العمق الفلسفي لرواية "منافي الرب" إلا أنها قريبة للقارئ الاعتيادي لما تتمتع به من أسلوب سردي امتاز ببساطة عرض التفاصيل اليومية والتأملات الفلسفية العميقة، ما سهل وصول رسائل المؤلف، مثل فكرة التصالح مع الموت ومواجهته بشجاعة وعدم الهرب منه، لأنه جزء لا يتجزأ من الحياة، وأن الخلود هو خلود فعل الإنسان ومدى تأثيره في ذاكرة الأحياء، وأن على الإنسان عبر رحلته في الحياة أن يسعى بحثاً عن معنى شخصي لوجوده.