حسن الكعبي
بالتزامن مع انطلاق مهرجان الكميت الثقافي الثامن دورة الشاعر عيسى حسن الياسري، صدر كتاب "الكميت الثقافي قراءات ورؤى نقديَّة" عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في ميسان – 2024- ، بـ 216، من القطع المتوسط، وضمَّ الكتاب مقدمة تعريفيّة للناقد علي سعدون بالدراسات التي اشتملها الكتاب وهي الدراسات المقدمة في المهرجان بنسخته الثامنة وهو تقليد اتبعه المهرجان منذ انعقاده بدورته الاولى، كتقليد يتوخى المهرجان من خلاله إغناء وإشباع المحور الذي يعقد المهرجان تحت يافطته، لكن الانزياح الذي حدث ضمن هذا المهرجان عن الطبعات السابقة تجسّد عبر التنوع والتوسّع في المحاور ومن دون الاتكاء على محور واحد كما في الدورات السابقة، كمحاولة للكشف عن التنوع النقدي، والإجابة عن سؤال ما إذا كان المشهد الثقافي في العراق وفي ظل التنوع الأدبي الذي شهده العراق بعد التغيير احتضن موجة او تحولاً جديداً في الممارسة النقديّة ضمن مشهديَّة الثقافة العراقيَّة؟
إنَّ تنوع المحاور بين الدراسات الشعريّة الجماليّة التي تركزت على تجربة المحتفى به الشاعر عيسى حسن الياسري، والدراسات الثقافيّة التي لامست اشكاليات الهويات الفرعية والتنوع الاجتماعي وصِدام الهويات، ومحور الدراسات السردية التي لامست الاشكاليات الاجتماعية بعد التغيير، تؤشر وجود موجة نقدية واعية تبشّر بصناعة مشهد نقدي جاد قادر على استكناه المتغيرات الجديدة في الوعي الثقافي والتعامل مع المنتج الثقافي ونصوصه في إطار المقصديات المهيمنة على هذا المنتج بوصفها أنساقا قارة تتحكم بمسارات المنتج الثقافي ونصوصه، وقد جاءت هذه التصورات في الوعي النقدي ضمن ممارسات هذه الموجة نتاج الجهود النقدية التي كشفت عن حقيقة عدم براءة النص وعن حقيقة تورط النص بالأنساق الاجتماعية والاقتصادية وتحكمات الايدولوجيا وحقيقة توتر النص بهذه الأنساق، وعدم براءته.
إنَّ المحاور النقديَّة الموزعة في هذا الكتاب كشفت لمبدع النص عن ضرورة إدراكه في سياق انتاجه للنصوص بأن ثمة شيئا ما يقع خلف الأنسجة الجمالية واللغوية في صناعته النصوصية وعليه أن يتقبل حقيقة أن الممارسة النقديَّة لا بدَّ أن تتجاوز حدوديات هذه الانسجة لتقع على الانسجة المتحكمة أو الابنية النسقيَّة الكبرى التي صنعها الباث بوعي منه أو من دون وعي، بمعنى وجوب وجود اتفاقات وتوافقات بين الباث والناقد على هذه النوعيّة من الممارسة كمؤشرٍ على تطورات الوعي الثقافي واستجابته للمتغيرات الثقافيّة الكبرى التي دشنت في المشهد الثقافي العراقي.
إنَّ الكتاب وهو حصيلة جهود نقديّة وأكاديميّة يقدم مادة غنية للقارئ في تعرفه على ملامح المشهد النقدي في العراق، لا سيما وأن الدراسات ضمت أسماء لامعة ومهمة في المشهد الثقافي العراقي كـ "د. سمير الخليل، وأمجد الزيدي، ومحمد غازي الاخرس، ورائدة العامري، وعباس خلف، وحسن السلمان، وجاسم الخالدي، وأحمد الظفيري، وجاسم محمد جسام، وعلوان السلمان" وآخرين.