من يصنع طوق النار؟

قضايا عربية ودولية 2024/12/26
...


علي حسن الفواز



مازال التغيير السياسي في سوريا غامضاً، وباعثاً على القلق، وعلى تسارعٍ في الأحداث والصراعات، وباتجاه يُطلق العنان لتكهُّنات مفتوحة، وربما لاصطفافات جديدة، دولية وإقليمية، وعلى نحو تكون فيه الخيارات معقدة وملتبسة، فبقدر ما أثار هذا التغيير الذي قادته جماعات ذات تاريخ إرهابي من أسئلة صادمة، فإنه فتح الأبواب على رهانات أخرى أكثر إثارة للجدل، على مستوى معطيات شكل الدولة الجديدة، وعلى مستوى تحالفاتها الداخلية والخارجية، وعلى مستوى هويتها الأيديولوجية، فالبحث عن التوازن في إدارة هذه المستويات سيكون هو المعيار في تجنُّب الدخول في دورة أخرى من الصراع..

صحيح أن هذا التغيير أسهم في تقويض كثير من المعادلات الأمنية في المنطقة، وفي إعادة توصيف خارطة التحالفات فيها، لكنه سيظل قريباً من لعبة السياسة، ومن حسابات المصالح، من التعاطي مع المتناقضات، وهذا ما أعطى لشخصٍ مثيرٍ للجدل مثل جين بولتن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق فرصة للحديث عن احتمالات التغيير في المطقة،  وربما الذهاب إلى صدمات مدوية، لاسيما أن الصراع الإقليمي  يُخفي كثيراً من الملفات الغامضة، ومن التشابكات التي قد تُنذر بحرب مفتوحة، إذا ما تهددت مصالح دول إقليمية معينة.

التوهُّم الصهيوني بأن ما حدث في سوريا كان جزءاً من مخططاته، يثير جدلاً حول ستراتيجات فرضية "طوق النار" كما سماه بولتون، وعن الجهات التي ستقوم بفرضه على دول المنطقة، فهل سيكون هذا الطوق جزءاً من ستراتيجيات "الشرق الأوسط الجديد" ومن أهداف الكيان الصهيوني للتمدُّد عبر الأراضي السورية، ولاصطناع صفقات سياسية وأمنية، وحتى اقتصادية مع الولايات المتحدة وتركيا لتعويق السياسات الروسية في المنطقة، وفي العالم، ومنها ما يتعلق بتحالفات الدول المنضوية في منظمات "بريكس" و"شنغهاي" وغيرها.

سرعة التغيير والانقضاض على مؤسسات السلطة في سوريا، وحتى طبيعة الزيارات التي تسارعت إلى دمشق بعثت برسائل غامضة عن ذلك القلق والحذر، وعن الأهداف التي تقف وراءها، لاسيما بعد احتلال الكيان الصهيوني مساحات واسعة من الأراضي السورية في ريف القنيطرة وغيرها، وهو ما يضع علامات استفهام حول المستقبل الجيوسياسي للمنطقة، وحول إعادة ترتيب الأوليات فيها، وإمكانية تجنُّب الدخول في صراع عسكري له أخطاره الكبيرة، فضلاً عن تجنُّب استفزاز روسيا، في مصالحها، وفي أمنها الستراتيجي، وفي صراعها المفتوح في أوكرانيا، وربما في صراعها الدولي على قواعدها العسكرية في سوريا، وعلى ممراتها التجارية في البحر الأسود، وصراعها المستقبلي حول سيطرتها على مشاريع الطاقة.